كان يوم مليء بالاثارة والحماس من اوله خصوصا اني برجع اركب الدراجة من بعد يومين راحة في هالسيارة اللي خضخضت جبدي واحنا نلاحق في الدراجات, حسيت نوعا ما بشعور الغيرة ان دراجتي قاعد يسوقها هانخا في الايام السابقة, نعم! انا ما امتلك هذه الدراجة ولكن من بعد قيادتها كم يوم حسيت ان علاقة انبنت بيني وبينها, حسيت انها تنتمي لي وولائها لي وانا حسيت بولائي لها, حسيت انها تبيني انا وانا بس اللي اسوقها في كل الرحلة, هذا اللي حسيته في ذلك الصباح بالطاقة القوية اني اقفز فوق الدراجة مرة ثانية!
اول شي سويناه من طلعنا اننا رحنا منطقة فيها بير ماي عذب وعبينا خزاناتنا كلها ليومين قادمين, كنا نستخدم خزانات مصنوعة من المطاط وممكن كل خزان ياخذ تقريبا 10 ليتر من المياه, وفي اثناء اللي كنت اعبي واحد من الخزانات, ثارت المياه على كل جسمي وراسي ووجهي لدرجة حسيت ببرودة ماتحت الارض وصلتني من خلال المياه الشديدة البرودة في جو شديد الحرارة. تضاريس الارض اللي طلعنا عليها في هذاك اليوم كانت ولحسن الحظ ارض صلبة شبه خضراء تحولت من رمال ناعمة وجفاف شديد من اليوم اللي قبله, وهذا يعني اننا انتقلنا من الصحراء القاحلة الى الجزء المنتعش والاكثر خضرة من صحراء جوبي!
هذاك اليوم كان الأقصر اطلاقا من بد الايام كلها, على طول توجهنا للمنطقة الصخرية الجميلة اللي مليانة الوان متعددة, صحيح انه كان شوي غبار بس كنا محاطين بصخور جبلية ملونة رائعة تتخللها الكثير من قنوات المياه الصغيرة اللي ذكرتني كيف يستخدمون مياه الري في سلطنة عمان من خلال هذه القنوات اللي يسمونها افلاج, ولكن هذه القنوات اصغر بوايد وطبيعية. الماي كان يمشي بشكل سريع وكان نظيف وبارد جدا وصافي جدا صفاء الكريستال وصالح للشرب. استغلينا توفر الماي بكثرة وقررنا نغسل ملابسنا ونحلق ونتسبح خصوصا اننا وصلنا في وقت مناسب يخلينا نعلق الملابس وتنشف حتى ثاني يوم. الوصول لهذه النقطة اللي قررنا نخيم فيها ماكان بالامر السهل ابدا, لأننا كنا ندور اعلى نقطة في المنطقة علشان نخيم فيها وفي نفس الوقت كنا نبغي نكون محاطين بالصخور للخصوصية شوي, والتحدي الأكبر شلون نوصل لهذه النقطة اللي نبيها بدون الحاجة لعبور هذه القنوات اللي في جزء منها عميق والسيارات ممكن تعلق فيها, وفي اثناء عملية البحث طلعنا انا وهانخا نلعب بالدراجات بين التلال والطلعات والنزلات في اثناء بحث السيارات عن النقطة المناسبة للتخييم.
يومها, ماكان بس رايد قصير, بل كان نوم قصير بعد, توقعت انه بيكون برد ليلتها ولكن تفاجأت بالحرارة زادت بالليل, كنت اصحى من نومي كل نص ساعة اشيل قطعة من ملابسي حتى صرت بدون ملابس تماما, حتى لما طلعت من خيمتي الصباح طلعت لهم بدون تي شيرت, كملنا مسارنا في هذه الحرارة الشديدة الى منطقة أوغي قال لنا انها بتكون مفاجأة لنا, ولكن في طريقنا الى وجهتنا, توقفنا في وادي جميل جدا وماشفت في جماله قبل, حتى درجة الحرارة انخفضت في هذا الوادي, كان عبارة عن ممر مسطح اخضر فيه جداول مياه تمشي, محاط برمال غوبي وبعدها تلال بنية وفي الافق اشوف جبال مغطية بخيوط من الثلوج الطرية واللي توها نازلة. المكان كان مليان بالخيول البرية مع الأبقار يتمشون فيه ويرعون في المنطقة. من كثر ما المكان جميل جدا بديت استوعب اني فعلا موجود داخل لوحة من رسم فنان مبدع
المكان اللي توقفنا فيه للغداء كانت درجة الحرارة تفوق ال40, وفي كل محطة توقف اصب ماي بارد على راسي و تيشيرتي وبعد ثواني قليلة ارجع انشف مرة ثانية, ولكننا كنا نحاول قدر المستطاع نتجنب التوقفات الغير مبررة علشان مانرجع نحس بالحرارة الشديدة في كل مرة نوقف, وفي احدى محطات التوقف, بنشر علي التاير مما اضطر ماندالا يغير الرنق كامل لتوفير الوقت. ولكن, بعد اقل من ساعة, ماكس بنشر تايره بعد ويبدو لي انه انشق التاير مب بس بنشر! مما اضطرنا الذهاب الى احدى القرى لتصليحه وبعدها نكمل. في هذاك اليوم, اوغي وعدني اني بشوف اجمل منظر في الرحلة كلها لأننا رح نخيم مشاهدين بحيرة تعتبر من الاجمل في كل منغوليا, وانا بعدها صرت اسوق دراجتي اتبع في السيارتين وكل شوي اوقف اشوف اذا البحيرة قربت ولا لا, ولكن مع السواقة بديت استوعب ان الطريق بدا يطول اكثر من اللازم, وفي لحظة ما, حسيت اننا وصلنا بحيرة وكنا نسوق حوالين هذه البحيرة لدرجة اننا حاوطناها بشكل شبه كامل, والسواقة حوالينها كان صعب جدا بسبب عمق الرمال وكثرة الاشجار فيها, حتى بديت استوعب انهم مضيعين ومودييني البحيرة الغلط!
بديت بعدها اتأكد انها كانت البحيرة الغلط خذوني لها لما السيارات بدأت تبعد عن محيط البحيرة الى الطريق الحجري الرئيسي, بعدها بشوي خلص علي البترول ووقفت الدراجة وبديت العن اللحظة اللي قررت اروح فيها منغوليا, كنت مرهق جدا وقتها واحس جسمي كله يهتز من اهتزازات الدراجة لدرجة اني ماكنت قادر حتى اتكلم مع اي حد, حتى كاترينا جاتني وعطتني غرشتين ماي شربت وحدة وصبيت الثانية على راسي واوغي جاني يبرر لي شنو صار وانهم ضاعوا, هني بديت اتحلطم واشتكي له اني قاعد اسوق دراجة موتوكروس لمسافة 240 كيلومتر بدون توقفات كثيرة واني تعبت! وهو بكل برود يقول هذه رحلة معاينة وتحديد مسارات وانا قلت لك من البداية فيها بحث وتعب وتحديد وجهات جديدة لزبايننا. واقترح علي اني ابدل مع سناء واخذ بريك اذا كنت جدا مرهق ولكني رفضت رفضا قاطعا اني اوقف وقررت اكمل ال75 كيلومتر المتبقيين حتى الوصول للبحيرة الصحيحة!
وفي آخر جزئية من الرحلة, بديت احس بالام الظهر والرقبة من السواقة الطويلة, بس ماحبيت استمر في الشكاوي والتحلطم علشان ما اصير الدراما كوين الوحيد في الرحلة. ووصلنا اخيرا للبحيرة الجميلة مثل ماوصفها لي اوغي, كانت فعلا جميلة جدا محاطة بالجبال من جهة ومسطحات شبه خضراء من جهة اخرى, السبب اللي خلانا ناخذ وقت طويل حتى الوصول لهذا الجزء من هذه البحيرة المالحة هو اننا لازم نخيم في الجزء الجميل من البحيرة والجزء الاقل زيارة من قبل المخيمين والزوار وفي نفس الوقت الجزء الاقل حركة للرياح فيه. الشيء المزعج في هذا المكان كانت في حشرات صغيرة جدا يادوب نشوفها بالعين, كانت تقرص فيني وتلصق في الجلد, كانت اصغر من البعوض ولكن تشبه الذبابة في شكلها, وقرصتها جدا مؤلمة والاثر يظل ايام.
وفي صباح اليوم التالي كان يوم حماسي جدا لأني برجع اسوق الدراجة على الاسفلت بعد عدة ايام من المعاناة والقيادة في طرق وعرة جدا! ومو بس جذي, رح يكون يوم قصير جدا مقارنة باليوم الشاق اللي قبله, واللحظة اللي وصلت فيها للاسفلت وقفت دراجتي نزلت من عليها وحضنت الارض والاسفلت, وقفنا حتى وصل الجميع لأن ماكس اخذ طريق اخر وتأخر علينا وكملنا لزيارة احدى البيوت البدوية في غرب المنطقة وبنتغدى معاهم وبنريح فترة الظهيرة. اللحظة اللي وصلنا فيها استقبلونا بكل رحابة صدر وفرحة وكانوا مبسوطين ان ضيوفهم جايين من بلدان اخرى بعيدة وضيوفهم بيريحون عندهم فكان فيهم نوع من الاعتزاز والفخرلاستقبالنا, فاستقبلونا في اكبر خيمة عندهم وفي هذه الخيمة كان فيها عرس وليلة دخلة لمعاريس ناموا فيها الليلة اللي قبل وطلعوا منها لما عرفوا ان ضيوف جايينهم من بعيد. العائلة كان واضح عليهم التعب والارهاق من ليلة العرس اللي قبل, ولكنهم صمموا في الترحيب فينا واستقبالنا والجلوس معانا والترحيب فينا بالحلويات والخبز والجبن المجفف والشاي.
.
مبدئيا كان الاتفاق انني ننام عندهم في يوحدة من خيامهم بالليل او نخيم جنبهم ونكمل ثاني يوم الى غرب منغوليا ولكن اوغي اقترح اننا نقضي فترة القيلولة عندهم ونتغدى معاهم وبعدين نكمل الى بحيرة قريبة نخيم فيها علشان نكون اقرب الى محطتنا التالية لذا كملنا لمسفة 70 كيلومتر اخرى وخيمنا في منطقة وادي كلها مياه تحيط فيها ومسطحات خضراء شاسعة, محاطين بالخيول والغنم. بوصولنا في هذه النقطة من الرحلة بنكون على وشك الدخول بشكل رسمي في اقليم غرب منغوليا واللي بتكون وجهتنا بكرة في قلب مدينة اولغي!