في صباح ثاني يوم كان مسار بالدراجة قصير الى مدينة (اولغي), كان صباح كسول وبطيء جدا حتى طلعنا بعد الساعة 10 الصبح على طريق مستقيم اسفلتي ممل جدا للوصول الى المسكن اللي بيكون عبارة عن القاعدة اللي بننطلق فيها الى المرتفعات في غرب منغوليا. في هذا القسم من منغوليا, اللغة تتغير, وجوه الناس تتغير, والثقافة والديانة يتغيرون بعد, معظم الناس اللي في هذا المكان يعتبرون من العرق الكازاخي, واللي يعتبرون مسلمين والكثير منهم بعد مايتكلمون حتى اللغة المنغولية! وصلنا المسكن وكانت صاحبة المكان تنتظرنا على حافة الشارع في سيارتها اللاندكروزر حتى نتبعها في الطريق الرملي للوصول الى المخيم. كان اسمها أخمارال وكنا نلحقها حتى الوصول الى مدخل المسكن الخاص فيها, واللي يتكون من تقريبا 15 خيمة (يورت) وكل خيمة ممكن تستوعب 5 اشخاص ولكن في كل خيمة 3 سراير بس!, ولما اقول سرير, يعني قطع الواح خشب محطوطة فوق بعض مغطية بالفرش وتشيل شخص واحد بس, ومع ذلك كان السرير مريح جدا! الخيام الكازاخية تختلف في تصميمها عن المغولية, لأن حجمها اكبر والوانها وزخارفها اكثر وبامكانك تشوف الالوان في السجاد المعلق على جدران الخيمة من الداخل, والجزء العلوي مغطى بطبقة حماية من البرد من الصوف الرقيق ليعزل بين الخارج والطبقة الداخلية من الخيمة مثل العازل, اما السقف بامكاننا نكشفه ويكون بمثابة شباك للخيمة وفي نفس الوقت تهوية في حال ولعنا النار في الخيمة, طريقة كشف او تغطية هذا الشباك هو بواسطة الحبال وبسهولة يمكن لأي شخص يسويها.
استقبلتنا اخمارال مع ابوها وامها ببعض المكسرات الفطاير والمشروبات, وبعدين اخذتنا الى خيامنا علشان نبدل ونريح حتى موعد الغداء, كنا النزلاء الوحيدين في المخيم ومنها حصلنا شوية خصوصية وخذنا راحتنا وكأننا في بيتنا. بعد لحظات من بعد مابدلت وريحت شوي في الخيمة, صوت علينا اوغي علشان نتغدى في الخيمة الكبيرة واللي تعتبر مكان مخصص للوجبات وللاجتماعات, يعني مثل اللوبي الخاص بالمخيم! كان الغدا عبارة عن طبق محلي كازاخي من المنطقة نفسها وهو عبارة عن خبز ملفوف في خضار مسلوقة مع قطع من اللحم بعظامها وسلطة مليانة صلصة الصويا. بعد الغدا حبيت اتسبح وابدل ملابسة المتوسخة, قالت لي اخمارال ان مافي ماي لمدة يومين! لأن اليوم اللي قبله صادهم فيضان قوي ودمر الجسر الرئيسي وقطع عنهم كل امدادات الكهربا والمياه, هني قلت يبدو ان المغامرة الحقيقية في وسط منغوليا بدت اليوم!
صحينا ثاني يوم مبكر جدا على اساس نتريق بسرعة وننطلق الى الغرب المتوحش في منغوليا, على كلام اوغي, كل ماكان ابكر كان افضل ولكن اللي اخرنا هو اوغي نفسه لأنه راح السوق يشتري اغراض حق الطريق والتخييم, وكل مايتأخر اوغي زيادة الاحظ ماكس يعصب اكثر واكثر, ولكن في الاخير طلعنا في وقت مناسب, يومها اوغي اقترح اني اريح في السيارة بعد اربع ايام سواقة شاقة للدراجة وفي نفس الوقت اعاين الطريق واشوفه وافحصه علشان افهمه عدل لأننا بنرجع عليه نفسه بعد يومين قبل الانطلاق لأعالي الجبال. ولكن بكل صراحة, كنت فعلا محتاج الراحة في هذاك اليوم لأن الليلة اللي قبلها اصلا مانمت عدل وبالاضافة لهذا اسفل ظهري بدأ يطق علي ويعورني. بديت اراقب حالة الطريق ولاحظت الجنون اللي مرينا عليه من طرق متعرجة وعبور للكثير من الانهار وجداول المياه والجسور الخشبية المهتزة, وللاسف هانخا طاح بدراجته وهو يحاول يعبر احدى الانهار اللي تيارها قوي جدا. بعدها بشوي عبرنا مياه اكثر وعبارة عن تجمع مائي كبير اشبه بالبحيرة وكانت منتشرة على مساحة كبيرة جدا الا انها ماكانت عميقة مثل النهر القوي اللي مرينا عليه, ولكن قاع البحيرة مليان صخور كبيرة لدرجة لاحظت معاناة السيارات في العبور. كنت اراقب الوضع في صمت واعاين المنطقة واكتب النقاط في راسي, شلون انا رح اعبر بعد يومين؟ وشلون بتعامل مع هالبحيرة. ولكن, ماحبيت افكر وايد في الموضوع علشان مايصيدني ستريس.
وصلنا الى عمق منطقة اولغي, المنطقة هذه العائلة البدوية ساكنين فيها وبنسكن عندهم ضيوف, اللي استقبلونا بابتسامة عريضة وشاي فريش ومكسرات وفطاير في خيمتهم الكبيرة الرئيسية اللي من كثرة الوانها وزخارفها حسيت بيصيدني عمى الوان, وصور كثيرة لرجال ضخمين شايلين نسور على ايديم ولابسين قبعات من الفرو كبيرة, وبعض السجادات اللي مكتوب عليها ايات قرآنية مثل آية الكرسي. بهذا عرفت ان هذه العائلة بعد هي من الكازاخيين المسلمين اللي متنقلين من منطقة الى أخرى على حسب حالة الجو او المواسم. في اللحظة اللي دخلنا الخيمة الكبيرة, لاحظت قدرين يطبخون ويطلع منهم البخار وحسيت بحرارة القدر لما مريت جنبه! كانوا يزيدون النار تحت الموقد بروث الأبقار, وفي نفس الوقت كانوا يخبزون فطاير وقطع خبز ويحطون على الطاولة اي شي يجهز معاهم. قدموا لنا على الطاولة ماكولات عديدة وحلويات وفطاير مختلفة ولكن أكثر شي كنت احتاجه وقتها هو الشوربة اللي عطونا اياها مع الشاي. بعدين عطونا طبق ممتع جدا وهو عبارة عن جبنة مسلوقة لوقت طويل في الماي حتى تصير حمراء تماما ويطلع شكلها كأنها مقلية, ولكنها بس مسلوقة بالماي وطعمها رائع جدا. على جدار الخيمة الملونة لقيت قطع من الفرو معلقة بشكل مستطيل نازل على الارض وقالوا لي انها فرو الثعلب يجهزونها علشان يصنعون منها القبعات, عادة يصيدون الثعالب هذه بالنسور واللي قالوا لنا بنشوفها في وقت لاحق من اقامتنا معاهم.
للوصول لهذا الوادي, كان يتطلب منا عبور الكثير من جداول المياه ومن خلال غابات اشجارها طويلة جدا ومستقيمة جدا حتى وصلنا لهذا الوادي الشاسع والمفتوح من كل الاتجاهات, محاصر بسلسلة جبال فوقها ثلوج تبين انها نزلت فريش وخيوط من المياه تنهمر مشكله جداول صغيرة حتى الوصول للنهر المقابل للوادي. السبب اللي خلانا نعبر الكثير من الجداول هو ان الصيف بدا عندهم مبكر والمياه ذابت من قمم الجبال بشكل مفاجيْ ولهذا الجسور الخشبية الركيكة كلها اختفت وانسحبت بالسيول. اخذونا الى خيمتنا اللي كانت مجهزة ودافية وجاهزة لنومة عميقة, هذه الخيمة بعد فيها ثلاث سراير خشبية والوانها الزاهية لاتقل جمال عن الخيم السابقة اللي شفتها. بعد ماحطيت شنطتي وبدلت, طلعت مرة ثانية برا ادور على قطع خشب زيادة ومن حسن الحظ لقيت القطع جاهزة ومعاها كم جذع وفأس كبير لتقطيعهم, خذت اللي موجود وقطعت زيادة احتياط. شربت شوربة ثانية قبل مارقد من وهل ليلتها في خيمتي الدافية اللي بنام فيها ليلتين!
في حوالي الساعة 3 قبل الفجر, حسيت ببرد شديد يجمد اطرافي وعظامي, برد حسيته صادني بالشلل من برودته ويتوغل من تحت اللحاف بشكل غريب بالرغم اني ماحسيت بأي نسمة هواء! وفي نفس الوقت فقدت ريحة الحطب المحترق في الخيمة, دورت على جوالي علشان اولع الليت واشوف وضع النار لقيتها طافية! اضطريت اني البس واطلع في الوادي واجيب حطب زيادة ولكن في الظلام المهمة تزيد صعوبة! ومالقيت الا روث البقر اللي ممكن نستخدمه للتدفئة, ورجعت اركض للخيمة ولقيت موقد من البترول محطوط عند باب الخيمة لاشتعال الحطب. صحيت من نومي قبل الكل وكالعادة قمت وتمشيت جهة النهر اللي بالليل نمنا على صوت هديره, كان موقف محرج تعرضت له لما شفت واحد من اهل المنطقة يقضي حاجته, حاولت اصد بسرعة قبل مايشوفني ولكنه شافني وصبح علي وهو مكمل شغله! رجعت لخيمتنا لقيت طاولة الفطور جاهزة ومحضرة, والاجواء المحيطة كانت اروع من الرائع, بقر يتمشون حوالينا, كلاب تلعب هنا وهناك, صوت النهر العالي, منظر الجبال وقممها المكسوة بالثلوج, وسناء وهانخا يتصارعون وانا اشرب قهوتي واشوفهم! في نفس الوقت لاحظت النسور المحلقة فوقنا واصواتها الرائعة, وهالشي ذكرني ان عقب الفطور بنروح نشوفهم.
لحظات بسيطة بعد الافطار, جانا اوغي واقترح نروح نشوف النسور قبل مانطلع نروح مكان ابعد شوي علشان نشوف الشلالات, النسور كانت باركة على اوكارها, وتنظر لنا بحدة وترقب واستعداد, وفي نفي الوقت جانا واحد من المحليين لابس لبس تراثي او تقليدي خاص بالمنطقة, عبارة عن رداء يربط بالحبل نفس الروب وقبعة الفرو على راسه. كان هذا واحد من الصيادين وهذا لبسهم اللي يلبسونه عاد وقت الصيد, جانا اول واحد وعرض علينا نشيل النسور ونصور معاهم, بعدها انا كنت اول شخص طلب يشيل النسر اللي وزنه يزيد على ال8 كيلوغرام! بعدها بشوي جاني هالصياد ولبسني القبعة على راسي, وبعدها عرض علي البس اللبس الخاص فيهم كامل, طبعا ماترددت ولا لحظة علشان الصورة تطلع كاملة متكاملة! طلب مني ارفع يدي فوق علشان النسر يفرد اجنحته على وضعية الانقضاض علشان الصورة. كلنا صورنا باللبس المحلي والنسور الا ماكس ومونيكا اللي رفضوا هالشي بشكل قاطع ورفضوا يصورون مع النسور. كنت متوقع اشوفونهم شلون يقنصون فيهم يومها ولكنه بسبب الموسم ماكانوا يقدرون وفي نفس الوقت لازم يروحون مناطق شوي بعيدة من اجل صيد الثعالب. عادة هم يستخدمون هذه النسور للحصول على فرو الثعالب لصناعة القبعات الكازاخية منها, وكل قبعة تتطلب 15 ثعلب لاصطياده, ولهذا هذه القبعات مطلوبة جدا عندهم في السوق واشتهرت في هالمنطقة بالتحديد من غرب منغوليا, بصراحة كنت حاب اشتري وحدة منهم بس ماكنت متأكد اذا مسموح ندخلهم المانيا مع قوانينهم, لذلك ماسألت عن السعر ولا ابديت اي اهتمام لشرائها منهم.
بعد ماخلصنا تصوير طلعنا كلنا في قافلة متجهين صوب الشلال, دراجتين وسيارتين كالمعتاد دايما, ولكن وصلنا منطقة عليها بوابة لمتنزه وطني ويتطلب منا المشي لمدة ساعة حتى الوصول للشلال, بدينا نمشي بمحاذاة النهر طول الطريق والمهمة ماكانت سهلة أبدا لأني كنت محاصر بالخيول والغنم والبعوض والنباتات اللي فيها شوك, كنا نمشي على ارضية جدا تزلق ومليانه طين وثلج ذايب حتى وصلنا الى منطقة الشلالات وكانت من الاروع اللي شفته في حياتي اطلاقا! ظلينا في المنطقة قرابة 40 دقيقة نصور صور وفيديوهات ونتنقل من جانب الى اخر وبعدين جات المهمة الصعبة واللي هي المشي نفس المسار للعودة للسيارات! حسيت ان المشي للرجعة اطول بوايد وحسيتها اكثر جزء ممل في الرحلة كلها, رجعنا مرة اخرى للمخيم واوغي كان يحضر لنا الغداء واللي هو عبارة عن رز مقلي مغرق بصلصة الصويا ولحم الحصان.
قضيت فترة مابعد الغداء ادور على الأخشاب الصغيرة وروث البقر علشان ماقوم بالليل مثل اليوم اللي قبله متجمد ادور حطب او انام بلبس الدراجة مرة أخرى! كانت امسية خفيفة وحلوة ونمنا كلنا بدري لأن اليوم الثاني بيكون صعب جدا بل اصعب يوم في الرحلة وراح يكون يوم رطب شاق يتخلله الكثير من عبور المياه والطين والثلج! صحيت ثاني يوم قبل الكل كالعادة, قعدت اشوف الصور والفيديوهات في موبايلي وامسح الاشياء التافهة والمكررة حتى يصحى الجميع, وقعدت امنتج فيديو خاص بالشلالات اليوم اللي قبله, حتى وصلنا لوقت الفطور, لبست لبس الدراجة كامل وانضميت لهم, بعدين كاترينا واوغي بداو يلفون الحذاء ومنطقة القدم باكياس بلاستيكية ولزقات علشان عبور الماي بعدين! في نفس الوقت طلعت براغي القو برو علشان اركب الكاميرات على الدراجة وتأكدت انهم مشحونين كلهم, بعدها حسيت الستريس عندي وايد عالي ودقات قلبي وصلت للسماء, قلت اتمشى شوي والعب مع الكلاب حتى اهدأ, توقعت ان هالستريس ممكن يخليني ارتكب اخطاء كثيرة ولكن مافي فايدة, لقيت كلب ابيض لطيف قعدت امازحه والعب معاه حتى وقت الانطلاقة.
انطلقنا كلنا أخيرا متناثرين كل واحد في اتجاه ماعدا الدراجتين كنت الحق سناء, عبرنا مع بعض عدة جداول مياه صغيرة وعدت على خير, بعدين لقيت شي ابيض كبير بعيد وماندالا واقف على مدخل جسر خشبي مهترىْ يأشر لي اروح الاتجاه, هني لاحظت ان الاتجاه اللي رايحين له مختلف ن آخر مرة, وبديت اظن ان البحيرة الكبيرة في اتجاه ثاني, بس في المقابل هالشي الابيض اللي اشوفه من بعيد اول مرة اشوف, وتسائلت شنو هذا ياترى؟ كل ما اقرب استوعب انها نهر متجمد! نهر متجمد تجري المياه من تحته ولكن سطحه متجمد, وهذا الطريق اللي اقترحه ماندالا علشان نتجنب عبور البحيرة واللي هي نسوق على سطح هذا النهر اللي ممكن ينهار علي في اي لحظة, ولكنها كانت قصيرة, دخلتها بالدراجة بدون اي مشكلة ولكني خففت سرعتي ووقفت شوي علشان اشغل الكاميرا والوقفه خلتني اعلق شوي على مدخل الجسر فوق الصخور بس عدت على خير. الرحلة القصيرة فوق النهر المتجمد كانت رائعة وتجربة مخيفة خصوصا مع صوت الجليد وهو يطع صوت التشرخ من وزن الدراجة! على الاقل كانت احسن من عبور هذيك البحيرة اللعينة! بعدها انطلقنا لهذاك النهر القوي اللي هانخا طاح فيه وماكان في اي مفر من عبور هالنهر المزعج ولا في اي طريقة أخرى لتجنبه! حاولت انا بنفسي ادور في ضفة النهر ادور شي اخف واضيق ولكن النهر كان مندفع بقوة وعميق!
رجعت بالدراجة تقريبا 50 متر للخلف, نزلت من عليها وتأكد ان الكاميرات نظيفة وشغلتهم, وفي نفس الوقت قاعد اشوف سناء شلون بيعبر النهر هذه المرة, وكما هو متوقع سناء عبر بدون اي مشكلة خصوصا ان بنيته قوية وهو في الأصل مصارع, وفي نفس الوقت مر واحد من السكان المحليين مع دراجة صينية 125, ووقف على حافة النهر بدراجته اللي مليانة اغراض, نزل ولبس بنطلون نايلون ضد الماي وجاكيت ضد الماي وغطى اغراضه بشكل عدل علشان يستعد للعبور, في البداية انا استصغرته وقلت مستحيل يقدر يعبر هذا لشخص, اذا احنا بدراجاتنا القوية ونصارع الماي علشان نعبر, قلت خل نشوف شلون بيعبر هذا الشايب, ولكن لاحظت نظرات الفريق كلهم ينطروني اعبر علشان نكمل الطريق, خلاني استعد واتذكر شلون عبرت الانهار قبل في رحلاتي السابقة وادخل متجه صوب النهر بسرعة متناسقة لا داعس ولا مخفف على الجير الثالث. في اللحظة اللي دخلت بدراجتي النهر حسيت شوي بالقاع الصخري ولكن فجأة الدراجة بكبرها غاصت في الماي بدون الوصول حتى للقاع, لدرجة اني حسيت رجليني يسبحون تحت الماي ماكنت لاقي الارض, وجسمي كله بخوذتي ولبسي داخل الماي والدراجة تنسحب بالتيار القوي والماي البارد النازل من اعالي قمم الجبال يسحب بقوة شديدة, كان هدفي الأول هو امسك الدراجة من انها تنسحب عني ولكن قدرت اسيطر عليها على الأقل وهي طايحة وسحبتها للضفة الثانية! للأسف اسأت تقدير النهر ومانزلت فحصت العمق, والغلط الثاني اني دخلت بسرعة أكثر من اللازم لأن النهر كان عميق والتيار كان قوي جدا! اللحظة اللي وصلت فيها للضفة الاخرى عطيت الدراجة لماندالا يفرغها من الماي ويعيد تشغيلها واقلبوها باسرع وقت علشان الماي مايدخل في المكينة, في الوقت اللي انا فتحت شنطتي بأسرع وقت وتخلصت من ملابسي المبلوله وغطيت نفسي بالفوطة قبل مايصيدني المرض. نظرات ماندالا احسه كان يبي يغرقني من القهر اني قطيت دراجته في الماي وفي نفس الوقت كان ينقذ المكينة من الموت!
وانا قاعد ابدل, تذكرت ان الرجل اللي بالدراجة الصينية للحين ماعبر, قلت خل اشوفه شلون بيعبر هذا, ولكن الصدمة انه عبر احسن مني ومن حتى سناء وبكل ثقة بدراجته البسيطة الصينية المليانة بالأغراض عبر بدون حتى اي معاناه تذكر, كان يعرف متى يتوقف ومتى يزيد سرعته وكأنه عارف كل صخرة وين مكانها في قاع النهر الغضبان, وصل جنبنا وكمل طريقه ودراجته وراه تقطر من الماي في الوقت اللي انا بدلت كل ثيابي وعلقت ملابس الدراجة تنشف حتى نكمل المسار. بصراحة كنت محرج جدا من فشلي العبور بالماي ولكن الألم الشديد اللي زاد علي في اسفل الظهر نساني الاحراج, في هذه اللحظة قررت اني اريح في السيارة واخلي هانخا يبدلني ويسوق مكاني وفي نفس الوقت انتظر لبس الدراجة ينشف شوي حتى بعدين يمكن اقدر اكمل. خذت حبتين لتخفيف الألم وجلست في المقعد الأمامي اريح ولكن بعد ساعة تقريبا وقفنا للاستراحة ولكن خبرت اوغي ان الالم في ظهري جدا شديد ماقدر حتى على السيارة وماعتقد اقدر اكمل للجبال, كان قرار جدا صعب وماكنت حاب انهي الرحلة بهذه الطريقة ولكن الالم كان شديد فقررنا نرجع مرة ثانية الى اولغي مع احساس كبير بالذنب!
كنا كلنا متفقين ان الرجعة بتكون عادية وماراح تزعل اي طرف من الأطراف خصوصا ماكس ومونيكا لأنهم اصلا رح يبدون مسار ثاني نحو شمال منغوليا بعد مانخلص احنا واساسا هو اللي بيبدونه هو مسارهم الرئيسي لأن اللي سووه معانا كانوا مسويينه السنة اللي طافت. خذنا الموضوع بتأني ورجعنا المخيم اللي تملكه اخمارال وقلنا بنقعد عندها الأيام المتبقية حتى موعد رحلتنا بالطيارة الى اولانباتار العاصمة, يعني رسميا الرحلة انتهت بنهاية المسار! والألم في ظهري كان أقوى وأشد خصوصا لما امشي او انام, فكنت احاول في أي لحظة الى كرسي احاول اجلس علشان الألم يخف. على مائدة العشاء, اخمارال عرضت علينا خدمة مساج عن طريق اختها الصغيرة واللي عندها شهادة مساج وعلاج طبيعي, وعرضت علي بعد الحجامة الجافة اللي بدون دم, وهالشي اللي فعلا كنت محتاجه بعد نهاية الرحلة, شرطها الوحيد انها تسوي لي مساج وملابسي كاملة علي! هالشي خلاني اندهش شلون بتسوي لي حجامة وانا لابس ملابسي! ولكن بعد دقايق من مساج خفيف فوق قميصي طلعت اكواب الحجامة وقالت لي اشيل القميص علشان تلصق الاكواب على ظهري! يعني في الأخير فصخت قميصي!
استمتعنا في اربع ايام رائعة واكلنا أكل لذيذ في اولغي واستكشفنا المدينة يوميا بزيارات متنوعة مثل السوق والمتحف, بعدها قررنا نطير بالطيارة الى العاصمة, ويومها كان ماراثون وحالتنا حالة نركض هني وهناك نحاول نرجع لمدينة قبل 70 كيلو من المدن اللي مرينا عليها لأن المطار متواجد فيها. التحدي الكبير هو احتمالية كبيرة ان الرحلة تنلغي بسبب سوء الاحوال الجوية, فكنا ندور فندق في المنطقة في حال اذا تأجلت الرحلة نسكن فيه. ولكن لحسن الحظ الطيارة كانت في موعدها وما تأخرنا ابدا ووصلنا للمطار اللي كان مغلق وفتح قبل الطيارة بساعتين كونه مطار محلي وطيارة وحدة اللي بتطير منه هي الطيارة اللي بتاخذنا الى اولانبتار. التحدي الكبير هو شلون اشيل شنطتي السوداء والالم اللي في ظهري كان قاتلني وفي نفس الوقت لازم اجري علشان اوصل باسرع وقت ممكن ولكن لحسن الحظ وصلنا وطرنا ووصلنا للمدينة الكبيرة.
المغامرة في منغوليا استغرقت ثلاث اسابيع, ولكن حسيتها 3 شهور لأن اشيا وايد كانت تصير يوميا واحداث مثيرة وغريبة ومناظر رائعة جدا اشوفها يوميا صعب على عيني تصديقها وصعب على عقلي استيعابها وصعب على قلبي لتحملها كلها وصعب عبى جوالي لتخزين الاف الصور والفيديوهات! تذكرت هذه الاحداث الرائعة بعد وصولي في مطار فرانكفورت انتظر شناطي يوصلون حتى انصدمت ان شناطي للحين في منغوليا واننا وصلنا بدون شناطنا! هني صرخت وقلت المغامرة لم تنتهي بعد ومازالت ترافقنا حتى فرانكفورت!