صحيت من النوم متخرع وايد كنت أظن ان موعد العبارة طافني, كانت تقريبا الساعة 7 الصباح, وهذا اليوم هو اليوم اللي رح اغادر فيه من اوروبا للعودة الى افريقيا الحبيبة ولكن هذه المرة الى تونس! كنت محظوظ اني لقيت عبارة ممكن توفر علي قيادة طويلة جدا لالاف الكيلومترات نفس اللي في اسبانيا, هذه المرة لقيت هذه العبارة في جينوفا واللي موقعها يبعد عن بون تقريبا اقل من الف كيلومتر. صحيت من نومي متخرع تقريبا قبل بساعتين من موعد المنبه, وطبيعتي اذا صحيت ماقدر ارجع ارقد مرة ثانية, فقررت اسبح وابدل واروح منطقة الميناء. كوني اول مرة اسافر من هالمنطقة ماكنت على اطلاع بالاجراءات المتعلقة بالمغادرة من هذه البلد كون كل بلد تختلف عن الثانية في قوانينها. رحت بالدراجة للميناء حتى وصلت منطقة الدخول وسألني الموظف عن تذكرتي, فطلعت له رقم الحجز, ورفض وقالي لا لازم تكون تذكرة مطبوعة والمفروض تكون طلعتها من امس! هني تخرعت قلت شنو اسوي الحين شنو الحل؟ قال لاتخاف, اطلع من هني ارجع للمدينة رح تلقى مبنى في خلف المينا من الخارج مكتوب عليه (مجمع تجاري) ادخل تلقى شركة العبارة فوق يطبعونها لك. وانا البس الخوذة رجع لي وقال: راح تكون محظوظ اذا فاتحين الحين.

كنت اول الواصلين لحسن الحظ

انا غادرت على عبارات وايد في حياتي ولكن هذا الاجراء اول مرة يمر علي بهذه الطريقة, ماكان عندي اي علم اني لازم قبل اروح مجمع تجاري علشان اطبع التذاكر ولازم قبلها بيوم! والله من حسن حظي اني صحيت قبل بساعتين ولا ممكن يكون راح علي المركب. لما حصلت التذاكر لقيت ان عندي وقت طويل حتى موعد العبارة فقعدت في المجمع التجاري, طلبت كابتشينو وفطور سريع. ولما رجعت مرة ثانية للميناء انتظرت تقريبا ثلاث ساعات في المواقف اللي قبل العبارة, في هالوقت تعرفت على بعض المسافرين من التوانسه الطيبين والدراجين من الالمان والايطاليين اللي رايحين بنفسهم يقضون تقريبا اسبوعين او اكثر. بعدها بشوي يجيني واحد تونسي يقولي لازم تطع فوق في المبنى القريب تختم جواز سفرك وتسوي افصاح جمركي, طبعا بالنسبة لي هذا اجراء مختلف آخر, وفي البداية كنت اظن انه ملخبط والاجراء هذا يخص بس المسافرين المرتجلين على ارجلهم ولكن بعد فترة لاحظت الكل طالع فوق مع اوراقه وجوازه! ولما صعدت رفعت تعرفه جمركية وختمت جوازي وأخيرا عبيت طلب خروج. مقارنة بالجزائر, تونس تعتبر سياحية جدا ومكان يحتظن الاوروبيين اللي يسافرون لها بصورة دايمة بلا خوف ولا تردد بل تلقاهم كلهم بثقة تامة انهم مرتاحين وماراح يصير لهم اي شي هناك بدون اي رقابة او مرافقة أمنية, وفي الأخير دائما شعور رائع للعودة للجزائر!

بعد الاجراءات الجديدة اخيرا صعدت على متن العبارة

صعدت العبارة وفيني طاقة عالية جدا وحماس كبير غريب عجيب لدرجة اني ماكنت ابغي اقعد ولا ثانية في المقصورة الخاصة فيني, في اللحظة اللي حصلت فيها مفتاح غرفتي, تخلصت من لبس الدراجة ولبست شورت ورجعت طلعت مرة ثانية لاكتشف العبارة الايطالية الراقية, كان فيها مقهة كبير ومطعم بوفيه وخدمة ذاتية وفي مطعم آخر راقي جدا, الكوبون اللي عندي يخولني اكل حتى 100 يورو فكانت لي مطلق الحرية اكل وين ما احب فاخترت اتغدى في البوفيه اول ما وصلت. قضيت فترة العصر والمغرب اتمشى في انحاء العبارة واسولف مع المسافرين التوانسه واتمشى في المقصورة الخارجية, حسيت اني ابي اقضي الوقت كله برا ومادخل الكابينة الخاصة فيني الا وقت النوم. الشي الأجمل في هذه العبارة ان فيها واي فاي قوي بخلاف الشركات الأخرى اللي سافرت عليها قبل, فقضيت وقت رائع واكل لذيذ وجولات مسلية والأهم كابتشينو لذيذ.

الغروب الجميل من على سطح العبارة

كانت تقريبا الساعة الثانية الظهر لما اعلنوا بقرب الوصول وان لازم نخلي الكباين الخاصة فينا للانتظار للحظة الوصول, لبست لبس الدراجة وجلست في المقهى اسولف مع دراج الماني رايح تونس من بعد زيارة سابقة من اربعين سنة! كان مسافر وحيد وحاب يقضي اسبوعين في منطقة حمامات الشهيرة في تونس. أول ماطلع من الباخرة, شافني موظف الأمن وقالي اروح جهة مكتب الجوازاات ودخلوني المكتب وسألني اسئلة كثيرة خصوصا لما شافوا اختام الجزائر المتعددة سألوني اذا راح اكمل للجزائر ولا ابقى في تونس. الحالة كلها كانت غريبة وماكانت ابدا مريحة ولكن في الأخير الموظفين كانوا في منتهى اللطافة والترحيب, وصلت بعدها منطقة الجمرك ولقيت السيارات اللي وصلوا قبلي في موضع مريب فاتحين كل صناديقهم وفارزين اغراضهم وشنطهم كلهم وجميعهم قاعدين ينتظرون اي حد من الأمن يجي ويفتشهم, عدد السيارات وقتها كان يتجاوز ال600 سيارة والموظفين عددهم بسيط وكل واحد مستلم له تقريبا ارع سيارات. انا كنت امامهم كلهم يعني ممكن اكون اول واحد يخلصوني ولكن ضابطهم الكبير (سي محمد) قال لي اعبي الفورمات وانتظر مساعدينه يفتشوني ويخلصوني.

المساعد كان جدا لطيف وخلصني في ثواني بدون حتى تفتيش دقيق على اعتبار اني على دراجة نارية والصناديق مافيها شي الا ملابسي وملابسي المتوسخة. وقع اوراقي كلها وقالي انتظر سي محمد يجيك يعتمد الفورم, سي محمد كان دايما يتمشى حولي بدون مايلتفت حتى صوبي, لدرجة اني ناديته مرتين بس مارد علي, اخر شي وقف جنبي وولع سيجارة وقالي هذه فترة استراحتي الان, بعد تقريبا ساعتين من الانتظار, رحت له بنفسي وهو يفتش احدى السيارات وناديته: يا سي محمد ممكن تخلصني؟ قال لي: اوه انت مازلت هنا؟ افتكرتك من زمان رحت! قلت له والله يا سي محمد كنت انتظرك. قال لي: للأسف شفت فيديوهات مستفزة لقطريين يضربون ويعذبون توانسه اثناء بطولة كأس العالم وهالشي مستحيل اتقبله من الأشقاء!

انا قلت له: مستحيل هذا الكلام وأكيد وصلت المعلومة خطأ! قطر فيها تقريبا 20 الف تونسي وانا متأكد انهم كلهم مبسوطين فيها, وعموما اي سلوك عدواني من أي شخث لا يدل بالضرورة اننا كلنا نفس الشي, ماقال ولا كلمة واعتمد اوراقي وعلى الساعة 5 العصر انا كنت خارج بوابة الميناء ورتبت كل اموري وصرفت دنانير تونسية ومستعد للانطلاق الى هرقلة!

هرقلة:

استغرق مني الوقت تقريبا ساعة ونص سواقة على الطرق السريعة التونسية من العاصمة ومرورا بسوسه حتى الوصول لهرقلة, الشي المستغرب منه هو اني كل مرة ادفع رسوم مختلفة على اكشاك الدفع للطرق السريعة, البعض يطلب دينارين بس والاخر يطلب 20 دينار وهالشي اللي مافهمته. في الأخير وصلت هرقلة على الساعة 7 ونص تقريبا وكانت مدينة جدا هادية مطلة على البحر المتوسط واللي يميزها غير هدوءها المريب, مبانيها الناصعة البياض وابوابها الزرقاء وانتشار الاشجار اللي تنبت ورورد حمراء متناثرة في كل مكان! المدينة صغيرة وماشفت ولا مخلوق على كامل الطريق! سكنت في بيت ضيافة اسمه (دار خديجة) ويتكون هذا النزل من تقريبا خمس غرف نوم ومسبح متوسط وصالة راقية ومريحة للجلوس مع مطبخ كبير. بعد ماسبحت قررت اطلع اتمشى في المدينة ادور لي شي اكله والمدينة اشبه ماتكون مدينة اشباح, مريت على مطعمين وكانوا مسكرين علما بانها كانت الساعة 8 ونص تقريبا! مشيت رجعت لوسط البلد ومن حسن حظي لقيت مطعم بيتزا صغير اللي تعشيت فيه ليلتها.

جولتي في المدينة الخالية ادور لي مطعم مفتوح

بعد وصولي لهرقلة, كنت اتجنب قد ماقدر اني استخدم الدراجة واثناء تواجدي فيها لمدة ثلاث ليالي قررت استخدم المواصلات العامة فقط, الباص والتاكسي او المشي فقط وفعلا استمتعت بهذه التجربة, وكانت معاناتي الوحيدة هي الحصول على مطعم ممكن يقدم طعام لذيذ, اليوم الثاني حبيت اشوف السوق القديم في سوسه وقضيت فيه فترة الظهيرة والعصرية وتمشيت في انحاء محلات البهارات والمحلات اللي تبيع هدايا سياحية واللي كلها تتشابه في بضايعها غير المقاهي والمطاعم المنتشرين في الانحاء, وبعدين صاحبة النزل قالت لي عن متحف موجود في أعلى التلة مهم ازوره, وبعد مشي نص ساعة للمتحف لقيته مسكر وبعد جولة كبيرة في المنطقة ماعجبني اي مطعم فققرت اروح منطقة المينا او مارينا اللي اسمها القنطاوي, وهناك كانت المطاعم والقهاوي مليانة وجودتها احسن من وسط سوسه, غير الفنادق الخمس نجوم والبارات ومدينة الالعاب.

في اليوم الثالث, صحيت من نومي ميت خاطري في كابتشينو فدخلت قوقل ادور وين اقرب ستار بكس, فلقيت ان فاتحين مول جديد فيه كل المقاهي الدولية والمطاعم, وبناء على قوقل عندهم بعد ستاربكس فقررت اروح اشرب لي اكبر كوب كابتشينو عندهم! ولكن للأسف بعذ ماوصلت لقيت ان المقهى العالمي الوحيد عندهم هو (بول) اللي متعود على قهوته من قطر, فقضيت معظم النهار والأمسية في هذا المول حتى وقت العشاء. الشي الجميل في تونس ان تلقى فيه كل المطاعم والمقاهي العالمية خصوصا في هذا المول مثل نشيليز وماكدونالدز و كنتاكي و باباجونز وغيرهم. البطاقات الأئتمانية كلها تشتغل ومقبولة في كل مكان بعد ومكاين الصرف والسحب كذلك لذلك حسيت ان خسارة اني جبت معاي تقريبا الفين يورو وصرفتهم دنانير!

المسبح الرائع في دار خديجة

تمازرط:

لما صحيت الصباح بديت اجهز للمغادرة لتمازرط وهي عبارة عن تقريبا 280 كيلومتر قيادة نحو الجنوب, وهالمدينة عبارة عن منطقة أمازيغية وقرية صغيرة تقع في الجنوب الشرقي من البلاد وتبعد تقريبا عشرة كيلومترات من مطماطة واربعين كيلومتر من عاصمة الولاية قابس. قررت اسكن في دار ضيافة في المنطقة اسمه (دار عايد) وحجمه اكير بكثير من اللي سكنته قبل, وعنده مسبح كبير وجاكوزي ومطعم كبير. معظم النزلاء يكونون جايين من توزر في الجنوب ويريحون فيه ليلة قبل اكمال الطريق نحو الشمال, وانا سكنت فيه ليلتين, واليوم الأول قضيته كامل منسدح على البرجة القذرة واللي قفزت فيها بدون تردد وبعدين تعشيت في المطعم اللي في النزل. السبب الرئيسي ليش سكنت في تمازرط هو انها قرية مو بعيدة من حدود ليبيا وبالتحديد من مركز راس جدير الحدودي على اساس اني من هناك بسوق دراجتي نحو ليبيا لحضور فعالية ولكن بما ان تكنسلت رحلة ليبيا قررت اقعد في تمازرط وازور مطماطة بمتاحفها واريح فيها.

وانا متوجه على طريقي لتمازرط, وقفت على مدخل مدينة مطماطة للتصوير والاستراحة من الطرق الملتوية المتعرجة, لقيت جمال وواحد يبيع شاي ولوز, اول ماشفت الجمال, نزلت من دراجتي وركبت على واحد من الجمال بكامل لبس الدراجة مع الخوذة, وفي هذه اللحظة جاني احد المحليين وسألني من وين. قلت له من اليمن! وبعدين سألني اذا احتاج مرشد سياحي يشرح لي عن طريقة مساكن اهل مطماطة اللي تكون كلها تحت الأرض و كذلك موقع تصوير فيلم حرب النجوم, اعتذرت منه وقلت خليني اروح تمازرط اول واريح اليوم وثاني يوم اشوفك, اعطاني رقمه وراح عني. السبب اللي يخليني اقول انا من اليمن هو بمجرد اني اقول اني قطري دايما وتلقائيا يزيد اي سعر ثلاث اضعاف! وهالشي يصير في اي مكان في العالم!

في صباح اليوم الثاني وبعد الفطور في النزل, بديت اشوف شنو ممكن اي شي اسويه او اي برنامج سياحي في المنطقة, وفي تمازرط مافي شي اشوفه الا القرية القديمة والمتحف البربري, فقررت اسوق حتى مطماطة علشان استمتع مرة ثانية بالطريق الملتوي وبعدين رحت مركز خدمات السياح التابع لوزارة السياحة التونسية, المبنى كان راقي نظيف ومكيف, فيه شاشات تعرض فيديوهات سياحية ومجلات وبروشرات سياحية محذفة هني وهناك عن تونس بشكل عام, ومسؤولة المركز سيدة تتكلم الانجليزية بطلاقة, المرأة اعطتني خرايط وشرحت لي شلون اروح لأهم الاماكن السياحية في المنطقة, وفي اللحظة اللي طلعت فيها من المركز, لقيت المرشد السياحي اللي اليوم اللي قبله واجهني في مدخل المدينة, وقالي ليش ماكلمتني؟ يالله انا مستعد للجولة اليوم واقضي معاك الفترة الصباحية ب40 دينار بس. مشيت معاه وشرح لي طريقة بنيان البيوت اللي تحت الأرض وشلون عاشوا فيها صيف وشتاء وتحملوا السيول وشلون حمتهم من الرياح والعواصف الرملية, غرف هذه البيوت محفورة داخل الأرض بشكل موازي على شكل كهوف صغيرة, البوابات عباره عن ممرات طويلة من الشارع الرئيسي نحو البيت اللي ساحته كبيرة والسطح مكشوف للخارج, وهذه الساحة ذكرتني في بيوت السوريين والعثمانيين. وبهذه الطريقة السكان الامازيغ عاشوا وتعايشوا مع الطبيعة الشرسة, البيت باختصار يحميهم من الحرارة في الصيف ومن برودة الشتاء ومن السيول العنيفة.

كل عائلة زرت بيتهم في المنطقة, ضيفوني بالتمر وبالشاي بالاعشاب والخبز المحلي الخاص بالمنطقة, ولكن كل مرة اطلع من اي بيت, يهمس لي المرشد اني اعطيهم اي شي من الفلوس كنوع من الدعم! ولما وصلت منطقة فندق حرب النجوم قلت للمرشد: اسمع انا دفعت اربعين دينار هذا مايعني اني كل مكان ادخلة احط عشرين دينار اخرين وابخشش كل واحد اشوفه! المفروض هذه الاربعين تشمل كل شي, اعتذر مني هو وتحجج انه بس يبغي يدعم هالعوايل المساكين. موقع حرب النجوم يعتبر فندق ومطعم في نفس الوقت. وهو نفس المكان اللي تصورت فيه بعض المشاهد والغرف الحين صارت غرف فندقية والمهووسين بافلام حرب النجوم يحجزون فيها يختارون غرف تصورت فيها مشاهد معينة وغرفهم المفضلة من الافلام اللي شافوها! بعدها رحنا انا والمرشد لمنزل آخر ساكنينه عائلة أمازيغية لشرب الشاي وتناول الخبز معاهم, واول ماوصلنا عرفني عليهم المرشد وتحجج انه هذا اخر موقع ولازم يروح هو, فهمت انه مايبغي يكون موجود علشان ماضطر ادفع للعائلة. السيدة كانت مرحبة فيني وضيفتني بالسمن والعسل والخبز والشاي بالاعشاب وشرحت لي طريقة حياتهم سابقا وقالت انهم مازالوا عايشين في هذا البيت, ومن بعدها ماندمت اني اعطيتها اربعين دينار لدعم مشروعها وبيتها الرائع اللي كان بارد بالرغم من حرارة الجو. وانا طالع لقيت سياح المان داخلين بعد يزورونها وماقصروا معاها بعد بالمقسوم!

بعدين تذكرت اني لازم اشوف المتحف الامازيغي في تمازرط وكانت مازالت الساعة 11 الصباح, رجعت مرة أخرى للطرق الملتوية لمسافة 10 كيلومتر ومشيت في القرية المهجورة ركبت السلالم الطويلة حتى وصلت لبوابة المتحف اللي كنت اظن للحظة انه مغلق, وكنت على وشك المغادرة لولا اني سمعت صوت حوار من داخل, اول مادخلت لقيت الموظف يحاول يشرح لشخص ومرته من بريطانيا لا هو يعرف انجليزي ولا هم يعرفون فرنسي او عربي, اول ماشافني وعرف اني عربي طلب مني اترجم لهم, قلت له رح اترجم بس بشرط تعفيني من تذاكر الدخول وقبل العرض, وكنت اتفرج معاهم على المتحف وفي نفس الوقت اخذ المعلومات استفيد وانقلها للانجليز. شي مبهر شلون كانوا الأمازيغ يبنون حصونهم بمداخلهم السرية ومخارج الاخلاء السريع في حالات الهجوم والطواريء, وسبل عدة في خداع العدو بأنهم يصنعون مداخن مزيفة لمواقع بعيدة عن الموقع الأصلي اللي هم فيه, وبنوا ملاجيء بشكل ذكي بحيث تطلعهم خارج القلعة في ثواني من خلال قنوات سرية مخبأة في الجدران وتحت الأرض, والشي الأجمل ان عندهم سعة تخزين عالية للطعام والماء تمتد لسنوات طويلة في حالات الحصار. بعده مشيت للفندق وقضيت فترة المساء كاملة على المسبح.

بالليل ماحبيت اتعشى في نفس السكن فقلت في نفسي الافضل ارجع مرة أخرى لمطماطة اشوف لي مطعم غير, فطلعت تقريبا 15 دقيقة احوس في المطاعم ومالقيت شي مقنع, ففكرت الافضل ارج للسكن اتعشى احسن من يروح لي موعد العشا وانام جوعان! للأسف وانا راجع اخذت المخرج الخطأ اللي ياخذني الى منطقة محظورة أمنيا, وهناك وقفوني نقطة تفتيش من قبل الأمن, عرفوا على طول اني سائح كوني على الدراجة, وكان يتحجج بأي شي علشان يأخرني ويطلب اوراق كثيرة منها جواز السفر وحجز العودة واوراق الدراجة غير انه استغرب من كمية اختام الجزائر وبدا يسأل وايد بلا سبب محدد! ظليت اشرح له اني مغامر وموجود في تونس من اجل سياحة المغامرة والترويج للسياحة في مطماطة وغيرها واعتذرت اني ماخذت بالي من اللفة الخطأ وكنت حاب ارجع السكن واتعشى قبل لايسكر المطعم! بعدين المساعد اللي معاه همس في اذنه قال: انا تابعته اليوم ترى عنده متابعين في انستغرام, وفجأة الضابط تغيرت لهجته وصار ودود أكثر وقالي احنا هنا في خدمتك وانت في ضيافتنا, وتحجج بكتابة بيانات من جواز سفري وخلاني اكمل طريقي! انا توقعت تصرف نفس هذا الغرض منه بس التضييق علي علشان اعطيه كم يورو داخل الجواز ويخليني اروح ولكني صممت اني ماسويها فقرر يضايق علي ويأخرني اكثر وبعدها لما عرف اني ممكن اتكلم في هذا الموضوع في السوشال ميديا تركني في حالي!

توزر:

الطريق الى توزر كان في البداية عبارة عن طرق متعرجة في وسط الصحراء مع سواقين مجانين بلوحات سيارات ليبية واخرين لوحات تونسية والطرق كلها فيها رمال زاحفة على الطريق والرياح قوية كانت, قررت اطلع من وهل علشان اوصل توزر وقت الغداء, وهذه المدينة عبارة عن منطقة سياحية بحتة في اسفل جنوب تونس واحسن موسم لها من وقت الخريف حتى الشتاء ومعظم السياح اللي فيها هم من التوانسة او الجزائريين من الشرق او ليبيين, كون المدينة قريبة من وادي سوف الجزائرية تلقى معظم السياح من واد سوف او بسكرة وهالمناطق. انا قررت القرار الصحيح اني طلعت مبكر علشان اتجنب الزوابع الرملية في منتصف النهار وتقريبا على الساعة 10 بدا الجو يسخن وبديت اعرق واحس بالارهاق من الحر الشديد لذلك قررت اتوقف مرات عديدة اشرب فيها ماي وايد, وفي الاستراحة الأخيرة قبل توزر لقيت دراجين اثنين من ايئاليا متعطلين, واحد منهم على افريكا توين هوندا والثاني على كي تي ام,  وعندهم بنشر بس مايقدرون يرفعون الدراجة لأنه شايل الجيك الوسطي منها! حاولت اساعدهم لكن المشكلة كانت انه كان يوم جمعة ووقت الصلاة ومعظم المحلات مسكرة, فاتصلت في صديق دراج تونسي ووصلني لشخص اخر في منطقة قريبة تبعد 40 كيلومتر ومن حسن الحظ ارسل لهم سيارة واخذهم للمحل وصلحها لهم, اثناء ذلك انا تحركت وكملت طريقي لتوزر ووصلت الفندق الكبير وتسبحت وتغديت.

مدينة توزر السياحية مافيها الشي الكبير اللي جذب نظري غير منطقة حرب النجوم شوي اللي تبعد 30 كيلومتر جنوب غرب البلد, واللي معظم السياح يقصدونها ويلبسون الشاش الملون ويركبون الكواد بايكات والجمال او يقضون معظم اليوم على المسابح, اليوم الثاني سقت دراجتي الى منطقة الستار وورز اللي في وسط كثبان رملية ومافي اي شي ثاني الا طريق كامل معبد حتى حدود القرية, المكان كان مليان سياح اوروبيين واجانب ومليان اطفال وناس من المنطقة يترجوني اشتري اي شي منهم او اخذ اي واحد يكون مرشد لي. معظمهم مع جمالهم يطلبون مني جولة على الجمل او اطفال ماسكين ثعالب الفنك وهالشي اللي لفت انتباهي كون دراجتي في الجزائر كان اسمها الفنك صورت معاه. انا اللي عجبني الطريق للقرية اكثر من القرية نفسها كوني مو من محبين ستار وورز اصلا, وكنت ابي اطلع بس علشان استمتع في طريق الرجعة للفندق!

العودة الى تونس:

كان خروج مبكر جدا من توزر الصباح التالي مع طريق مباشر جدا الى الجنوبب الشرقي حتى الوصول للطريق السريع المؤدي الى صفاقس وسوسه حتى العاصمة, وبما انه طريق مباشر وسريع, اكيد راح يكون ايضا طريق ممل جدا منها وقوف متكرر لأكشاك الدفع للطريق السريع, ماكنت مستعجل الوصول المبكر وكنت ماخذ راحتي على اساس اني برمجت اني اةصل في المساء وقت العشاء للعاصمة, لذلك قررت اوقف مرة كل ساعة او ساعة ونص لمدة عشر دقايق, واول ماوصلت تونس العاصمة حجزت في فندق الشيراتون كمكافأة لنفسي بعد الانتهاء من جولة تونس وللراحة التامة قبل رحلة العودة بالباخرة ولكن هذه المرة لمارسيليا بدل جينوفا, وبعد ماوصلت ووقفت الدرادة في المواقف الخلفية رحت للغرفة وسبحت بماي دافي ونزلت دلعت نفسي اتعشى في المطعم الآسيوي في اللوبي, صباح اليوم الثاني خمنت وقلت اكيد في مقاهي وستاربكس في العاصمة اروح اشرب كابتشينو! ركبت سيارة تاكسي واقترح علي اروح مول تونس وفيه مقاهي وايد, واول مادخلته خذت لفة 100 متر وطلعت على طول لأنه ماكان فيه اي شي ولا مقهى فاتح اصلا, خذت تاكسي اخر ورحت مول جديد كبير على مدخل المدينة, القهوة عندهم ماكانت مقنعة يعني كلها كاكاو وسكر بس تمشي الحال, ماكنت حاب اقضي النهار كله ادور كابتشينو!

وانا في التاكسي تذكرت اني لازم اصدر التذكرة قبلها بيوم علشان مايصير لي نفس اللي صار في ايطاليا, فقلت للسواق ياخذني للميناء على طول, اول ماوصلت عند مقر اصدار التذاكر لقيت شخصين يبدوا انهم مخلصين جمركيين قالوا لي ان اصدار التذاكر يبدا من ثاني يوم الصباح من الساعة 5 وراح يكون زحمة وايد بس قالوا لي اذا جيت احنا رح نمشيك وانت ماعليك بس تعال ونخلصك بسرعة! وصمم ان اليوم اللي قبله مافي اي اصدار للتذاكر, فحسيت براحة بال ان عرفت معلومة جديدة واني الصباح رح اخلص موضوعي بسرعة فقررت اروح الفندق واتغدى في البوفيه عندهم واريح شوي, لما وصلت الفندق كان المطعم كامل فاضي والبوفيه كبير جدا والأكل وايد ومافي الا طاولة وحدة وطاولتي اللي موجودين, ولما شفتهم عندهم باستا مع ثمار البحر دخل في خاطري ولكن كنت شوي متردد بس بطني المفجوع كان اقوى من ترددي!

فقط ساعة بعد الغداء بديت احس بتعب شديد, وحسيت معدتي بدت تصارخ وتنتفخ انتفاخ غريب اول مرة في حياتي, كنت اتمنى من كل قلبي انه مايكون تسمم لأن كلش مو وقته ولكن للأسف كل مؤشرات بطني تقول انه تسمم, حاولت اقنع نفسي انه مستحيل يكون تسمم لأن اكل الشيراتون جودته عالية ولكن الواقع كان مختلف وبدا التعب يزيد علي وبدت الاعراض تبين اكثر! ومعدتي بدت تنتفخ بشكل غريب ومزعج وكان فعلا اسوأ شعور تسمم مريت فيه! ماكنت حاب اظل في الفندق واتعب اكثر فقررت اخذ تاكسي واروح سيدي بوسعيد واللي تعتبر من اجمل المناطق السياحية في تونس العاصمة, واللحظة اللي نزلت فيها من التاكسي بداو الباعة يلاحقوني ويعرضون علي سواء تحف او يحط صقر على كتفي ويقول يالله صورة وعطيني دراهم, بس وضعي مع التسمم خلا مزاجي جدا سيء لدرجة اني صرخت عليه وقلت له: لاتتجرأ وتلمسني احسن لك! بعدها رحت منطقة حلوة مطلة على المتوسط فيها مقاهي حلوة وموسيقى شرقية رائعة مع عصير منعش قبل العودة للفندق.

العودة للعبارة:

في الأمسية التقيت في صديقي وليد للعشاء , اللي كان لذيذ جدا ولكن ماكلت اي شي منه بسبب الامي وتسممي, كنت احاول افتعل اني طبيعي ومافيني شي بس الدوخة كانت مسيطرة علي لدرجة اني كنت ساكت طول الوقت ماقدرت اتكلم وايد والانتفاخ في معدتي يزيد ويزيد, حتى وصلت الفندق حاولت اغير مواعيد الباخرة ولكن للاسف اقرب موعد راح يكون بعد اسبوع وماكنت حاب اقعد اسبوع في تونس كلش! صحيت الساعة 3 ونص الفجر علشان استعد للمغادرة بحيث اوصل الساعة 5 الفجر للميناء مثل ماقال لي المخلص الجمركي, طلعت بدراجتي في جو ماطر خفيف ونسمات فجرية حلوة ماكان برد ولا كان حر ووصلت المينا لقيت مئات السيارات واقفة في صف طويل فتجاوزتها حتى وصلت راس الطابور, لقيت واحد لابس صديري اصفر يقولي عطني اوراقك علشان اخلصك, في البداية ماعرفت اذا هذا كان موظف ولا مخلص اخر, بعدين حسيت من هيئته انه مخلص يبي كم دولار مني, طنشته ومشيت بنفسي للمبنى, وعلى مدخل المبنى قابلت وحدة في نهاية الاربعينات من عمرها لابسة نفس الفيست وسألتني: انت الشخص السعودي اللي على دراجة كان هني البارحة؟ قلت لها يمكن اي يمكن لا, قالت لي تعال معاي اقدر اخليك تتجاوز الطابور, قلت لها ماحتاج اي مساعدة, خصوصا بعد ماشفت ملامح اللي واقفين على الطابور كيف متضايقين من كلامها ومن تصرفي اللي ماتصرفته بعد! وبعدها طنشتها هي بعد ومشيت خطوتين ولقيت نفس الشخص اللي اليوم اللي قبله قالي تعال بكرة وبخلصك بسرعة, تفاجأ وصرخ: انا ماقلت لك تعالي؟ ليش تروح لغيري؟  رديت عليه بصوت عالي: اسمعني زين, انا ماعندي وقت لا لك ولا لغيرك وتأكد باني اقدر اخلص نفسي ماحتاج اي حد منكم! تمتم وتحلطم وهو رايح عني نركني في حالي!

الدخول في معمعة الجوازات مرة أخرى كان اسهل من الوصول بكثير ولكن مع المرض كان اصعب بكثير! كنت اول شخص خلص اوراقه وانختم جوازه في الجميع كلهم, بل اني كنت اول شخص واقف على مدخل العبارة انتظر السماح لي بالدخول. دخلت العبارة الساعة 7 الصباح ودخلت كابينتي وعلى طول نمت, صحيت بعدها بعدة ساعات متخيل اني في وسط البحر المتوسط, ولكن للأسف تفاجأت اننا للحين في المينا في تونس! بديت اتمشى في الساحة العامة والصالات الخاصة بالعبارة والصاله الكبيرة اللي الكل جالس فيها طلبت قهوة وجلست ولكن تفاجأت ان الكل يدخن داخل العبارة وكأن التدخين مسموح على متن العبارة كاملة! جلست تقهويت وقعدت العب في الموبايل حتى تحركت الباخرة الساعة 1 الظهر, وهني الارسال بدا يختفي ويضعف كل مانبعد عن الساحل. رحت البوفيه وتغديت وياليتني ماتغديت! التسمم زاد علي والانتفاخ كبر لدرجة حسيت نفسي حامل, وتعبت لدرجة ماكنت قادر اقعد ولا قادر انام لا على جنب ولا على ظهري ولا على بطني! كنت افكر شنو راح يصير فيني في ال27 ساعة القادمة! قضيت الوقت كله في السرير ماتحركت من مكاني ابدا! ومن سوء الحظ مافي شبابيك في الكابينة وماكنت عارف اذا نهار او ليل, طول الوقت باختصار كنت اشوف في السقف وانتظر مصيري!

من التعب ماكنت قادر اتحرك

منظر غروب رائع آخر على مغادرة افريقيا

على تقريبا منتصف الليل, البحر فجأة هاج بشكل كبير ومخيف وحسيت بالامواج تتصافق في جسم الباخرة لدرجة صوت الارتطام كأنه صوت انفجار كبير! الباخرة كانت تقفز لفوق بشكل عمودي وترجع تصفق في سطح البحر, كانت الغرفة مظلمة وباب الحمام مفتوح ويتحرك مع كل حركة ويصفق ويطلع صوت قوي, كنت قلق اكثر شي من دراجتي اللي وقفتها بدون ماربطتها بأي شي ولا تثبيت لها. عادة مايصيدني دوار البحر في مثل هالحالات ولكن هذه الحالة الاستثنائية صابني دور بحر قوي وصرت كل شوي اروح استفرغ من التعب! ماطلعت من العبارة ابدا الا قبل العاصفة رحت ادور شاور جيل اسبح فيه ولكن المحل مايبيع الا معسل شيشه وكحول وسجاير! حاولت ارقد حتى ثاني يوم ولكن بدون اي حظ مع معدتي المنفوخة واستفراغي كل نصف ساعة حتى وقت الفجر اللي هدأت العاصفة ونمت لي ساعة.

على الساعة 1 الظهر وصلت ميناء مرسيليا بسلام وكنت شوي احسن من اليوم اللي قبله, لبست لبس الدراجة وجهزت اغراضي ورحت اتطمن على دراجتي اللي لقيتها مازالت واقفة وشامخة بكل فخر في حين باقي الدراجات كلها منسدحة ومتسرب منها البترول, سبب عدم سقوط دراجتي اني وقفتها بالطول وكانت الوحيدة اللي ةاقفة بالطول مع طول العبارة واتجاهها في حين الباقيين واقفين بالعرض. بعد ماوصلت ماقدرت اكمل اكثر من التعب فقررت اوقف في مرسيليا لليلة واحدة اريح فيها, نمت العصر وتعشيت بأجمل وجبة من قبل ما ادخل تونس ومن التعب نمت على طول. عبى وصولي الى اوروبا, انتهت مغامرتي في تونس اللي شفت منها الكثير في فترة صغيرة, وماعتقد اني حاب ارجع لها مرة أخرى, الا اذا رح اروحها كزيارة عمل مع مغامرين عن طريق شغلي.