وانا طالع من المحل في ليلة متجمدة في بداية فبراير وكانت ليلة فعلا متجمدة متجه الى بون وين انا اسكن, وكان كل همي ادور التصريح اللي يخولني اطلع في الشارع في ساعات حظر التجول لأني كنت طالع في هذه الساعات, وللاسف مالقيته بعد, لا في السيارة ولا في شنطتي ويبدو اني كنت ناسيه في البيت, وهذا يعني اني رح اكون مخالف كوني اسوق السيارة بدون تصريح. كنت ليلتها اسوق بسرعة شديدة حاب اوصل البيت بأسرع وقت ممكن والطريق كان فاضي تماما على طريق ال بي8. هذا غير الجليد على الارض اللي ممكن يزحلقني في أي لحظة! كل همي الوصول قبل لايوقفني اي شرطي واعرف مخالفتها جدا كبيرة. خلال أشهر ديسمبر حتى اواخر ابريل اصدرت ادارة الصحة العامة في منطقة التن كيرشن اجراءات مشددة بخصوص الوقاية من الكوفيد ومنها حضر تجول مشدد من الساعة 9 بالليل حتى الساعة 6 صباحا, وهذه الاجراءات تم اصدارها بعد ما ارتفعت حالات كثيرة في المنطقة واصبحت منطقة حمراء. للأسف هذه القرارات وضعت الكثير من الأعمال التجارية وبالتحديد المطاعم في وضع مالي سيء الى اسوأ مما اضطرنا الى تخفيض عدد الموظفين الى الأقل واشتغلنا بأنفسنا في المحل, على سبيل المثال انا كان عندي التصريح للقيادة في ساعات حظر التجول بسبب اني كنت اعمل في توصيل الطلبات للبيوت.
عادة لما اوصل البيت اول شي اسويه اكل عشاي اللي في الغالب جايبه معاي من المطعم, وبعدها اقرر اذا بقعد اكتب في كتابي على اللابتوب على ضوء الشموع وموسيقى هادية تدخلني في جو الكتابة, او مرات بقعد اشوف نيتفليكس,وعادة هذه الطقوس اسويها قبل ماروح انام فوق. في غالب الاحيان اكون مشغل نيتفليكس و في نفس الوقنت على الموبايل اشوف فيس بوك او تويتر او سناب شات, معظم الوقت اكون ادور واقرا في الاخبار لعل وعسى نسمع خبر حلو عن التغيير في حالات التشدد في الاجراء المتعلق بخصوص كورونا ونرجع نفتح مثل قبل. واثناء تحريكي للتغريدات في تويتر لاحظت تغريدة للخطوط الجوية القطرية مسويين اعادة تغريدة لخبر يتكلم عن الجزائر مفاده ان صنفت الجزائر الوجهة الأولى لسياحة المغامرة في العقد القادم! هالشيء نوعا ما ابهرني عن الجزائر ولفت نظري خصوصا في وقت السفر فيه جدا صعب ومعقد مع هذه الاجراءات المعقدة وفحوصات وحجر منزلي! هالشي خلاني افكر ياترى الجزائر شنو ممكن يكون فيها يخولها تكون الاولى في سياحة المغامرة؟ بس مانسيت ولا بنسى حبي للجزائر من الطفولة يوم عرفت عن كهوف وجبال ونقوش الطاسيلي. بعد ماقريت التغريدة رديت على القطرية بهذا التعليق: في هذه الحالة رح اطلع مغامرة للجزائر بدعم ورعاية منكم! شرايكم؟ وكتبتها وانا ماكنت جاد فيها يعني كانت شبه مزحة ماقصدت فيها اي شي جاد وقتها. بعدها نفخت الشموع طفيتهم و طفيت الموبايل ورحت فوق انام.
.
دايما كل يوم الصبح لما اصحى من نومي اقوم باجراءات معينة احرص اني اسويها كل صبح وبدونها يومي مايمشي, خصوصا اثناء ايام الكورونا اللي فيها فترة الصباح في العادة اكون فاضي شوي. مثلا اول ما اصحى الصباح انزل اعمل لي قهوتي واطلع اقعد في الحديقة مع كلبتي (جيدا) وبعد القهوة نطلع نمشي في الغابة انا والكلبة, وعادة مشوار المشي هذا ما افوته ابدا حتى لو كان برد او مطر او ثلوج لأن هذا المشوار هو وحده اللي يصنع بقية يومي! عادة ما اشيل موبايلي معاي علشان استمتع في الطبيعة واخلي الوقت خاص بي وحدي واختلاء مع الطبيعة ولكن يومها اخذت الموبايل معاي بس مافتحته من صحيت من النوم وقررت افتحه اول مابدأت مشوار المشي, اول مافتحت تويتر تفاجأت بالكم الهائل من الرسايل والتعليقات والمتابعات الجديدة وتفاجأت ايضا من رسايل انستغرام وعدد المتابعات الهائل اللي وصل اكثر من 3000وماكنت عارف بالضبط شنو صار, وكانت صدمة وماعرف اذا هي صدمة جميلة او سيئة, بس اللي سويته اني حاولت اعرف مصدر هذه التفاعلات الرهيبة واللي ذكرتني بقصة صارت لي في كولومبيا لما مشهورة في كولومبيا ذكرت اني اقوم بالترويج لتاجر المخدرات اسكوبار اثناء وجودي في بلدته وتكلمت اني راح ازور المزرعة الخاصة فيه! هذه المشكلة تمت حلها بالتراضي والاعتذار للشعب الكولومبي, ولكن هذه الحالة يبدو انها متعلقة بتغريدتي حول الجزائر والفرق انها تحمل رسائل ايجابية وترحيبية جميلة, حاولت اتتبع مصدر هذه التغريدات والتفاعلات والتي جعلت ممشاي اليومي اكثر بطء بل اشبه للتوقف وبعدها قررت انهي المشي والعودة للمنزل!
بالرجوع الى تغريدات تويتر واللي كانت وايد اسهل لتتبع مصدرها والتعرف على التغريدة الاولى اللي نشرت الخبر, عرفت انها من الاعلامية الجزائرية وهيبة بوحلايس واللي اعتبرها صديقة قديمة وداعمة لي دائما من زمان, هي من اول اللي لاحظوا تغريدتي واعادت تغريدتها مع ترحيب كبير وطلب لدعمي من الجهات الرسمية في الجزائر. بصراحة تغريدة وهيبة هي اللي فتحت لي ابواب كبيرة وعرفتني على الجزائريين وعرفت الجهات الرسمية فيني! خصوصا ان وزارة السياحة تابعتني بعد ما قرأت تعليقها لي, واللي عجبني في الموضوع هو حماسها الكبير اللي رفع من معنوياتي وزاد حماسي وقررت اتواصل معاها واشكرها بنفسي, ولما كلمتها قالت لي: رح تلقى الكثير من الوعود والدعم ولكن انصحك تكون بس مع رشيد! وهذا رشيد اصبح صديق في تويتر وتغريداته كانت دايما تجد تفاعل كبير خصوصا الداعمة لي ولرحلتي اللي لحد الان ماقررت عنها بعد!
.
الجزء الثاني من معرفة مصدر التفاعل هو انستغرام واللي كانت اصعب بكثير كون عدد التفاعلات والمنشنات كبيرة جدا, وخصوصا لقيت اكثر من خمسة حسابات تفاعلت معاي عدد متابعينها يتخطى ال مائة الف متابع! ولكن اتذكر ان اعلامية اخرى هي من تفاعلت بشكل كبير مع هذا الخبر وهي نوال قاضي. وهي اعلامية جزائرية عملت في السابق في تلفزيون قطر وقابلتني فور نهاية رحلة طريقي للحرير, ومن خلال نوال عملت مقابلة مع راديو ارابيل في بروكسل وبعض الصحف الالكترونية المهتمة بالشأن الجزائري.غير الزيارات الصغيرة اللي سويتها معاها في باريس وجولاتي في حي باربيس الشهير بالجاليات المغاربية, هذه الحالة اللي انحطيت فيها مع هالاعلاميتين كانت صعبة ومعقدة جدا خصوصا اني ماكنت جاد ولا مقرر اروح الجزائر عندما كتبت التغريدة ولكن كانت الجزائر اصلا من خططي للزيارة وماكنت عارف اذا هل فعلا راح اقدر ازور الجزائر خصوصا مع وضع العالم وكورونا واللي اضطرتني الى تأخير جدول رحلاتي الى سنة 2021 وماكنت عارف هذه الازمة اذا بتنتهي او لا من الاساس! انحطيت في موقف اني لازم اقرر يا اني اروح فعلا الجزائر او انفي الخبر واشرح انها كانت مزحة! ولكن قررت ازور الجزائر!
.
هذه الحالة حلقت فيني الى فترتين مختلفتين من حياتي, الاولى كانت لما كنت طفل صغير وسرقت كتاب اسمه (الذين هبطوا من السماء) للكاتب انيس منصور واللي سرد الغاز كهوف وجبال ونقوش الطاسيلي وتناولها في كتابه على انها قد تكون مخلوقات فضائية اكثر تطور وعلما منا! وكيف هالمخلوقات تخيلوا اشكال المركبات الفضائية ونقشوها في الكهوف وعلى الصخور وكيف استخدموا الحبر الاحمر في نقل رسالتهم على مدى السنوات وهذا الحبر مازال متمسك في الصخور حتى اليوم من اكثر من عشرة الاف سنة! كنت في طفولتي ومعرفتي المحدودة حسيت هذا الكتاب بمثابة بوابة لعالم الطاسيلي اللي سبحت من خلالها مكتشفا لهذه الصخور والرموز, مازلت اتذكر كيف سرقت الكتاب من بعد صلاة المغرب حطيته تحت المخدة علشان بالليل اقراه واستخدمت كشاف صغير ازرق اعطتني اياه جدتي الله يرحمها للقراءة تحت اللحاف وتصفح الصور. لسبب ما, اخوي كان يمنعني من قراءة هذا الكتاب وكان يبرر لي ان فيه قوة شر او سحر واي حد يقراه ينسحر واشوف الجن بعدها, كنت اول مرة اعرف عن منطقة الطاسيلي والتي كتبت في الكتاب (تسيلي) ورمزت الى ليبيا من خلال لسان الكاتب, كنت اشوف نفسي كبير واتجول في الطاسيلي بعيوني بين الصخور الشامخة اللي شقت الرمال الذهبية الناعمة تنظر للسماء بغرور وشلون انا كنت انزل بظهري علشان ادخل الكهوف مستخدما نفس الكشاف الازرق علشان اقرأ النقوش بشكل ادق
السيناريو او المرحلة الثانية من عمري اللي تذكرتها كانت الاهم والاقرب لأنها كانت بشكل وميض او فلاش طلع في عيني فجأة! كنت ليلتها اسوق السيارة من باريس راجع المانيا وكان يوم آخر بارد جدا بضباب كثيف والدفاية مشغلها اعلى شي والراديو كان يشتغل على قناة موسيقية فرنسية بس ماكنت مركز ابدا مع الموسيقى, حتى اشتغلت أغنية “راي” جميلة جدا مع دخلة محفزة. الاغنية هذه حركت كل جزء فيني بالرغم اني اول مرة اسمعها وكنت متاكد انها اغنية جزائرية من خلال الايقاع, الاغنية هذه ذكرتني ببداية التسعينات لما اغاني الراي انتشرت في العالم كله وصرنا نسمعها بشكل كبير في الخليج وغزت العالم كلها وقتها. على بداية الاغنية بشكل قوي انا خففت سرعتي شوي وركزت فيها بشكل غريب وتمعن قوي حتى طلع شي شي غريب عبارة عن مخيلة اقرب الى الواقع ركزت فيها حتى نسيت اللفة اللي تدخلني بلجيكا واستمريت مركز في هذه المخيلة العجيبة, تخيلت نفسي على الدراجة النارية اسوق ببطء في شارع كبير في الجزائر محاط بالناس على جانبي الطريق, منها بنات لابسين ذهب من راسهم الى ارجلهم, يصفقون ويأشرون لي, اطفال على جانبي الطريق شايلين اعلام قطر والجزائر, فرقة تلعب منها رجال ماسكين الطار (البندير) و رجل واحد اكبر في السن يعزف على ناي بصوت حاد وتناغم جميل, البنات لابسين فستان شعبي وعلى راسهم شبه التاج من الذهب ونازل متسلسل الى اسفل, دراجتي مربوط عليها علمي قطر والجزائر ووقتها خففت سرعتي ووقفت والدراجة تمشي شايل علم الجزائر واحيي الناس حتى وقفت بجانب الفرقة اللي تعزف. الشعور هذا اعطاني قشعريرة واحساس جميل عيشني جو اني فعلا زرت الجزائر واللي نقلني لهذه البلد هو كان مجرد اغنية راي في الراديو! الخيال هذا يمكن كان مجرد ثواني قليلة بس حسيتها ساعة او اكثر, وبدأت اتسائل ليش هذه الفكرة فجأة جاتني؟ معقولة هذا هو الوقت المناسب لزيارة الجزائر؟ طيب شلون؟ بعدين تذكرت كتاب الطفولة وربطت الموضوعين في بعض ووعدت نفسي قلت: يوما ما سأزور الجزائر, متى هذا ال “يوما ما” ماعرف بس من ضمن الخطة!
حتى شفت تغريدة الخطوط القطرية ماكنت مفكر ان ممكن اروح الجزائر هذه السنة او اي وقت قريب لأن خطتي اني اكمل زيارة 100 بلد في سنة 2020 ورحلتها حتى سنة 2021 وماكنت متصور انها ممكن تكون سهلة ادخلها بدراجة نارية وقتها, وكنت متأكد بصعوبة المرور بل مستحيل المرور من جهة المغرب واللي ممكن تكون الأسهل وصولا من اوروبا, وهالشي ذكرني في سنة 2018 لما كنت في منطقة مرزوكة في المغرب متوجه الى قرية الطاووس واللي تعتبر اخر قرية قبل حدود الجزائر. كنت يومها اسوق الدراجة معاي اثنين رحالة بريطانيين واقترحوا نروح بالدراجات حتى حدود الجزائر على الاقل نشوف اراضيها ولو من بعيد, ولما وصلنا الطاووس لقيت رجل كبير في السن استغرب وجودنا في هذه المنطقة النائية وسأني ليش حاب اروح جهة الجزائر؟ وبعدين قال لي: انا واجبي انصحك بعدم الذهاب الى هذه المنطقة لأنها حدودية وخطرة وقد تفسر بشكل خاطيء, نصيحتي لك ارجع من مكان ماجيت واستمتع في اجازتك! بعدها رجعنا لمرزوكة وأكلنا شواء لحم الجمل. احزنني موضوع ان الحدود بين البلدرين مغلقة وعلى حسب علمي انهم نفس الناس واولاد عمومة وعبور الحدود وقتها صعب وماحبيت وقتها اسأل اسئلة كثيرة حتى لا يفسر اهتمامي خاطيء! علما بأن هذاك الشيخ الكبير عزمني على كاس شاي (اتاي) ورفضت العزيمة بكل أدب.
كل مايقرب الوقت نحو شهر اكتوبر يزيد علي القلق بشكل كبير ومتسارع وافقد الامل في زيارة الجزائر, اولا ماكان في اي حد يعطيني اي خبر مؤكد عن امكانية حصولي على التأشيرة ولا حتى خبر بالرفض, كل الكلام اللي كنت اسمعه معلومات ووعود ضبابية سواء من الاصدقاء اللي مسبقا وعدوني بتسهيل الامور مع الفيزا او بعض الاشخاص على المستوى الرسمي, ماكان في اي حد يقدر يقول لي
باختصار اي, او لا! والشي الاسوأ ان الحكومة الجزائرية كل يوم تشدد الاحترازات المتعلقة بفايروس كوفيد19, وهالشي يبعد احتمالية دخولي للجزائر في اكتوبرغير ذلك فجأة بدأت حرايق الغابات في مختلف ولايات الشمال مثل جيجل وبجاية وتيزي وزو وهم من ضمن مسار رحلتي وهذا الشي خلاني اتأكد ان الرحلة مستحيل تنفيذها في اكتوبر. كل الرسايل والوعود اللي حصلتها بدأت تتلاشى وتبهت والبعض منهم من اللي واجهته ورد علي قال لي من الافضل ترحيلها الى شهر ابريل من العام القادم لأن من سابع المستحيلات ادخل مع هذه الاوضاع في البلد, وفوق هذا تواصلت مع بعض القنصليات في اوروبا لأخذ اي معلومات بخصوص زيارة الجزائر واتصلت لهم كشخص مهتم بدون ذكر اسمي ومن المؤسف ان حتى هم ماكان عندهم اي اجابة صريحة مما زاد احباطي وقلقي وربكتي! الحل الأخير اللي ممكن يفيدني هة اني اتواصل مع صديقة جزائرية قديمة مقيمة في بروكسل اسمها (زهرة) وقلت لها معاناتي كلها وشلون مو قادر حتى احصل جواب سواء بالقبول او الرفض وزهرة وصلتني مع ولد عمها رضا اللي بدوره صديق مقرب من السفير الجزائري, كل اللي طلبته من رضا هو الحصول على فرصة مقابلة سعادة السفير ومن جهتي انا بحاول اقنعه بأهمية هذه الرحلة. وبالفعل اثناء وجودي في الدوحة شهر يوليو تمكنت من مقابلة سعادة السفير وكان رجل مثقف جدا هاديء الطباع ومبتسمنظرته حادة واستمتعت اول شي في الحديث عن خبراته الطويله وتجاربه في مختلف بلدان العالم وتكلمنا عن اللغة العربية وهموم المتحدثين بها, استمتعت اول شي بالحديث معاه وبعدين تكلمت عن الرحلة وهدفي منها وكيف بدأ كل شي! طول ماكنت اسوق لنفسي واتكلم كان مستمع لي طول الوقت وماقاطعني ابدا بل استمع لي حتى الاخر وبعدين قال بكل هدوء: كل هذا الكلام اللي قلته لي, اكتبه على ورقة واعمل لي عرض وطلب اصدار للفيزا وياريت ترفق معاه روابط بمقابلاتك وكل انجازاتك, لأني رايح الجزائر الاسبوع القادم وهناك رح ابحث عن هذا الموضوع! ولكن استبعد حصولك على التأشيرة لشهر اكتوبر! انت شايف المشاكل والأزمة اللي تمر بيها البلد في الوقت الحالي, من رأيي ان تنتظر حتى ابريل السنة القادمة. على الأقل يكون عندنا وقت للترويج لها ولكن راح ابذل قصارى جهدي ان شاء الله.
خرجت من السفارة فاقد كل الامال اللي كنت بانيها على رحلة الصعود الى طاسيلي مثل ماسميتها مسبقا, بل فقدت اهتمامي في كل الرحلة بعد ما قابلت سعادة السفير لأن اخيرا احدهم كان صريح واعطاني اجابة صريحة, ومع ذلك اعطاني بصيص من الأمل, سافرت للعودة الى المانيا وبعدها بكم يوم امي وابوي وبنتي زاروني وانشغلت معاهم, وبدأت في التسجيل لاكمال دروس اللغة الالمانية, وفي نفس الوقت كنت اخطط لزيارة كندا او المغرب في اكتوبر على اساس ان عندي صار وقت فراغ كبير احتسابا ان رحلة الجزائر اصبحت منتهية. حتى شركائي في المحل وعدتهم ان رح اقضي اوقات اطول في المحل هذا الشتاء ونحاول تنفيذ مشاريع جديدة. وبعد طلبت من ميلكو شريكي ومدير الورشة بالتوقف عن اكمال مشروع تعديل الدراجة الخاصة بالجزائر اللي سميتها (الفنك) وقلت له وقف او خذ راحتك لأن الرحلة اصبحت ملغية في الوقت الحالي. وبكل صراحة بدأت استوعب ان فعلا الجزائر لن تكون مفتوحة لوقت ما للسياحة بسبب الظروف اللي العالم يمر فيها وبسبب ظروف الجزائر مع كورونا والحرائق, تحتاج وقت طويل حتى تبدأ تستقبل السياح!ولكن مازلت متعلق بالقشة الصغيرة وهي ال1% اللي السفير قال بيحاول مع السلطات وماغلقت جميع الابواب.
صحيت من نومي في يوم مشمس حار في فاختبيرغ المانيا على اتصالات كثيرة على رقمي القطري مارديت عليها بس يبدو انها من رقم ارضي في قطر, توقعت انها من المستشفى لأن كان عندي موعد ومارحت له. وفي نفس الوقت فتحت رقمي الالماني لقيت 3 رسايل من زهرة تقول لي اتصل فيها ضروري, ربطت الاتصالين في بعض وتوقعت انه ممكن يكون من السفارة, فاتصلت فيها وقالت لي السفير الجزائري في قطر يبغي يكلمك ضروري وماعرف ليش يبغيك باسرع وقت ممكن اتصل له الحين على موبايله, واعطتني رقمه! انا توقعت هو اكيد محتاج اوراق زيادة او اعيد صياغة الطلب للمرة الثالثة لأن قد يكون طالب تفاصيل اكثر, او محتاج روابط اكثر, فاتصلت له ورد علي على طول, قال لي: خالد انت وين من الصبح ندور عليك؟
قلت له: سعادة السفير انا رجعت المانيا بعد ماقابلتك!
السفير: كيف؟ المانيا! طيب كيف تجينا لو طلبناك علشان الفيزا؟
رديت: رح اجيك فورا
اذا تعال فورا! مع ضحكة تبشر بالخير قالها لي السفير
سكرت الموبايل وبصراحة ماكنت عارف اذا المفروض افرح ولا قلق, اذا فرحت بكون فرحت لأن ماتوقعت تجي الموافقة بهذه السرعة للزيارة في اكتوبر وهذا الشي كان مستبعد تماما, والموافقة جاتني في وسط اغسطس يعني كل شي يرجع على حسب ماهو مخطط له في الجدول الأساسي وتهيئة نفسي معنويا لأقوم بالرحلة في الجزائر في اكتوبر! وليش لازم اقلق؟ لأنه الرحلة قرية جدا مما يعني اني لازم ارجع اكمل تجهيز الدراجة, شراء معدات التخييم, البحث عن شركة شحن, طلب قطع غيار, شراء ملابس وعدة التخييم والدواء, وفوق هذا كله, والدي في المستشفى للحين ماطلع ومو عارف شكثر بيتم في المستشفى, يعني لازم انتظر خروجه من المستشفى اولا, ومعافاته تماما ليكون لائق للسفر ثانيا. وماكنت حاب ابين له اي شي علشان مايشعر بالذنب او اني متعطل بسببه, فخليت الموضوع يمشي ولا كأنه صاير شي, ولما تعافى والحمدلله وقرر يسافر قطر, كان ذلك في اول اسبوع من سبتمبر!
ثاني يوم بعد وصولي للدوحة, خذت السيارة ورحت السفارة لمقابلة سعادة السفير مرة أخرى, واصدر الفيزا الموافق عليها, ولما قابلت السفير لاحظته اكثر حماس مني بخصوص الرحلة واجرى اتصالات وايد علشان يسهل دخولي للمطار, ولكنه نصحني بالشحن الجوي وفقط الجوي لأن هو المنفذ الوحيد المسموح له لدخول الدراجة للجزائر, خصوصا اني كنت افكر ادخل عن طريق ايطاليا وبعدين بالبحر الى تونس ومن تونس ادخل الجزائر ولكن الحدود الجزائرية مغلقة, وكل المسارات البحرية اللي تدخل الجزئر معلقة حتى اشعار اخر! والطريقة الوحيدة لدخول الجزائر هي عن طريق الخطوط الفرنسية فقط من باريس الى الجزائر العاصمة. هذا الشي زاد من مهمتي تعقد وصعوبة لأن اصلا شركات الشحن رفعت اسعارها اضعاف مضاعفة واستغلت فترة كورونا هذا غير قلتها وخصوصا خط الجزائر, يعني لو لقيت حد يشحن للجزائر بأي سعر رح اكون محظوظ! رح يكون من سابع المستحيلات اني اقوم بكل هذه المهام قبل تاريخ 30.9 ورح تكون معجزة اذا الدراجة وصلت قبل هذا التاريخ خصوصا ان الدراجة مازالت مانتهت من مرحلة التعديل. الحين الفيزا في يدي, التذكرة محجوزة ولكن احتاج اقرر شنو لازم اسوي باسرع وقت ممكن. يعني لازم اسافر المانيا باسرع وقت وانا للحين ماشبعت من امي وابوي وبناتي لذا قررت ارجع المانيا فقط قبل 9 ايام من المغادرة الى الجزائر, وفي هال9 ايام لازم اخلص كل شي من تجهيز لرحلة الصعود الى طاسيلي والبدء بها!
المعاناه في هذه الاشهر اللي طافت كلها من اجل فقط الدخول الى الجزائر اعطى تميز اكبر ونكهة رائعة للمغامرة كلها لأن كل هذه الاشياء اللي صارت هي جزء كبير من المغامرة واحلى شي فيها هي ان تبدأ قبل بدايتها الفعلية, خصوصا من ناحية التخطيط لها, من شحن, تعديل, ترتيب للقطع و صفها في الصناديق وترقيمها على حسب الاولوية, اختيار اقل الاشياء ممكنة لتخفيف الوزن, والسفر بالطيران خلال 9 ايام من يوم وصولي, كل هذه تحديات جدا صعبة تدخل في المراحل الصعبة لكل الرحلة! كل الشكر للفريق اللي دعمني من البداية وساهم في انجاح التخطيط وعمليات الرحلة, كل شي في هذه المرحلة اصبح كما هو مخطط له بدون اي تأخير وبترتيب ملائم للبدء والانطلاقة, ماعدا اني رح اضطر اسافر قبل اسبوعين من مغادرة دراجتي (الفنك), رح اسافر والفريق مضطر يبحث عن شركة تشحن الدراجة بأقل الاسعار علما بأن كل الاسعار هي نفس قيمة الدراجة بسبب اوضاع الكوفيد! ولكن المطمن ان وعدوني الدراجة توصل لي في ثاني اسبوع من اكتوبر, الآن اقدر اسافر الجزايئر وانا متطمن, شكر كبير لكل من ميلكو, صيداوي, كاثرينا, جو و كل من عمل في انجاح هذا المشروع سواء من قريب او من بعيد, ها أنا قادم لأرض الشهداء الجزائر!