قاعد لي 45 ثانية متسمر واقف اطالع السقف وماسك البروش ابي اصبغ السقف مب عارف من وين ابدأ؟ ابدأ من الطول ولا العرض؟ كاشخ بلبس العمل, بدلة زرقاء توني شاريها مع حذاء خاص بالعمل وماعليه ولا قطرة صبغ كأني استعد لتصوير حق كتالوج وكنت متحمس ابدأ شغل في معرضي اللي ابي ابنيه كله من البداية و بيديني. واول مهمة استلمتها اني اصبغ السقف فقلت خل ابدأ بالصبغ بشكل طولي وبديت اصبغ وماحسيت بنفسي الا بعد ساعة ونص وحسيت ان الموضوع جميل جدا وحسيت نفسي في جلسة تأمل وفي النفس قاعد افكر في عدة اشياء في نفس الوقت و قاعد اتخيل شلون المكان بيصير لما يكون فاتح والمطعم شلون بيكون شغله؟ شلون بتكون القاعة وهي مليانة على الآخر؟ موسيقى وفرقة تعزف, وانا رايح صوب الباب ارحب بزباين وشايل في يدي كم منيو, صيداوي قاعد يرقص مع الموسيقى المفضلة مالته, وميلكو في ورشته قاعد يقص حديد, ديمي قاعد يشتغل على طلبات المطعم. احلام وايد قاعد احلمها وانا اصبغ السقف حتى وصلت الى نهاية الزاوية. فجأة حسيت بقطرة صبغ شكبرها طاحت على ويهي والجاكيت! صيداوي ضحك من ردة فعلي وقال لاتشيل هم ترى بس غسله بالماي بيروح على طول. عاد انا شعرفني في هذه الاشياء؟ عمري مامسكت بروش او صبغت او قصيت خشب بمنشار؟ كملت صبغ وقعدت افكر انا شنو ووين كنت قبل سنتين من اليوم؟ كنت في مكتبي مع سكرتاريتي ضابط وتحتي موظفين راتبي عالي ورتبة محترمة ونفوذ وعلاقات مع الناس مقارنة بالحين: ولا شي. كنت في نطاق كبير من الراحة او الكومفورت زون مثل مايقولون بس بكل تأكيد ماشتقت لهذا كله وتركي له كان باختياري اليوم انا مفلس ولكني اسعد بوايد. قاعد في وسط معرضي ووكالتي ومطعمي اتعلم من الصفر اتعلم شلون اقص الخشب وادهنه واصبغ الجدران وانظف الارضيات, هذه باختصار اعادة البناء لمساري المهني بعد سن ال40

للمرة الأولى بعد مغامرة لي بالدراجة النارية ماتصيدني الحالة النفسية اللي دايما تصيدني لما ارجع البلد ولا احس بهالاحساس المخلوط من فرح وحزن وكآبة نفس كل مرة, ببساطة لأن هالمرة عندي شي أكبر بوايد لازم اركز فيه ومرحلة كبرى من حياتي لازم اعطيها كل تركيزي وجهدي وهالنقطة انا اعتبرها كأني مسوي فورمات لمسيرتي المهنية. قضيت آخر 5 سنين من حياتي ماسوي اي شي الا اسافر بالدراجة من بلد الى بلد واكتسب خبرات ومهارات وخبرات بس علشان اوصل لمرحلة مغامر ورحالة محترف بالدراجة النارية. هذه القفزة من حياتي سببت ذهول لناس وايد من المحيطين فيني واللي يمكن حاسديني على اللي كان متوفر لي من وظيفة ومركز مرموق ورتبة عسكرية أميرية وساعات عمل قليلة وراتب عالي خيالي والنفوذ كله مع الرتبة وكل هالاشياء خليتها وراي وجيت هني المانيا علشان حلم كبير بس امتيازات قليلة جدا. هذا الحلم يدلدغ مخي من سنين وهذاني وصلت لبداية تحقيقة مع راتب 1600 يورو في الشهر بدون خصم الضرايب. هل يستحق هذه التضحية؟ الحين اقول اي يستحق ونص بس خل اشوف الوضع شلون بيصير في الكم سنة الجايين. ماراح اكذب عليكم, سنة 2019 كانت الأصعب اطلاقا في حياتي والاكثر تحديا بل الأسوأ من كل ال42 سنة اللي عشتهم, ولكني قاعد اشوف شوية سعادة لأني صرت حر نفسي, اشم مستقبل كبير وأمل حتى وان كان صغير, نفس لما تكون عرقان وفجأة تحس ببرودة بسيطة بس للحين عرقان. انا قاعد اتبع هذه البرودة وبوصل لها

ماخفي عليكم اني وايد خايف من المرحلة الجاية, خصوصا لما اشوف عيالي وشلون هم مبسوطين لما شافوني لما زاروني في المانيا وانا قاعد اراقبهم وهم يلعبون حولي هني في المانيا وكل شي متوفر لهم. هل هالكل شي بيكون متوفر لهم خلال سنتين؟ هل بيكونون سعيدين نفس اليوم؟ وبيقدرون يسافرون 3 مرات في السنة نفس المعتاد؟ هذا اللي قاعد اقاتل من اجله حاليا لأنهم هم دايما الاولوية الأولى في حياتي. صحيح اني مب عايش معاهم الحين ولكن هم هدفي وهم الاقرب الى قلبي وهالشي ذكرني في امي وابوي لما عاشوا سنين طويلة في الخارج بعاد عننا علشان هدف واحد وهو نلبس أحسن لبس ونكشخ ونسافر احسن البلدان واحلى الاجازات وهم فعلا حققوا لنا هالشي, صحيح كنت في طفولتي ومراهقتي الومهم ولكن بعدين تفهمت الالام اللي مروا فيها من أجلنا. بعض الاقارب من فترة سألوني اذا اني ندمت على كل اللي سويته اني تخليت عن كل شي وخسرت وظيفتي ونهاية الخدمة وتقاعدي من اجل (لفة على الموترسيكل)؟ جوابي كان واضح وصارم: انا ندمت نعم! ندمت اني ماسويت هالشي من زمان وضيعت عمري في وظيفة عادية حجمت من مهاراتي وحاولت تخليني نفس الروبوت اطيع وانفذ واذا قلت لا صرت غبي ومافهم في شغلي! الوضع بيكون مختلف تماما اذا قمت بهالخطوة قبل 10 سنين مثلا! بس ماتأخرت وايد واعتقد مكتوب لي اني اقوم بهالخطوة مؤخرا. انا عشت سنين طويلة اجامل مجتمعنا وأسرتي اللي يبون ولدهم منصب او مهندس او ضابط او طبيب, عشت وعيشت نفسي في هذا الاطار سنين البي حاجة المجتمع والعادات والتقاليد في تصرفاتي ولبسي وحتى كلامي! نفس الشخص سألني سؤال اخر: شنو المتعة اللي تلقاها انت انك مشحطط نفسك على البطبطة كل يوم؟ تاكل اي شي تنام اي مكان تخيم في اماكن خطرة تعرض حياتك للموت؟ وين المتعة في الموضوع؟ للأسف هذا السؤال ماقدرت اجاوبه بالشكل اللي كان قاعد يجاوب في مخي لأني مهما تكلمت ماراح يفهم ليش اسوي هذا كله! في هذيك اللحظة تذكرت موقف لما قطعت هضبة التبت وكنت معدي من غرب التبت ومتجه الى شرق التبت اللي يعتبر نوعا ما اكثر حضاري وأقل وعورة من الغرب, حسيت اني قربت للنهاية بدون حوادث وحسيت بفخر كبير وقتها, كانت درجة الحرارة وقتها 1 تحت الصفر والهوا نقي مافي اي نسمة رياح وكنت قطعت عدد من جداول المياه قبل لاوصل منطقة دخول شرق التبت, فتحت جهاز التعقب علشان اشوف الارتفاع اللي انا عليه, كنت على ارتفاع 4100 متر عن سطح البحر, بديت على شارع سيده مستقيم وكان مرصوف بالاسفلت وكنت محاوط بسلاسل جبال من كل صوب. حسيت نفسي في غرفة نوف اشوف صورة او داخل غرشة مافيها اي شي الا فراغ. كنت في نفس الوقت مشغل موسيقى على الايفون وحاط سماعات داخل الخوذه وبالتحديد كنت اسمع مقطوعة موسيقية لابراهيم معلوف اسمها (ريد اند بلاك لايت) وهو موسيقي فرنسي من اصل لبناني, وتحمست وايد مع المقطوعة الموسيقية لدرجة اني وقفت والدراجة تمشي وصرخت اطول صرخة في حياتي وانا اشوف فوق عيني على الجبال, الصرخة هذه يمكن كانت اطول من صرختي لما انولدت! فقررت اوقف الدراجة في وسط الشارع وموسيقى ابراهيم معلوف مازالت تلعب في اذني, نزلت وخليت الدراجة تشتغل وقعدت اتخيل الفرقة كلها حوالي وانا العب لعم كأني المايسترو مالهم, بدون ما انزل الخوذة متناسي اني على شارع كبير وتميت على هالحالة منطرب ومستمتع حتى فجأة مرت قافلة شاحنات عسكرية تخص الجيش الصيني ووققوا وماحسيت فيهم الا لما طق هرن, بصراحة ماكنت عارف كم دقيقة انتظروا حتى الاحظهم. من الفشلة ركبت دراجتي وكملت مسيري! لحظة نفس هذه ماعرف شلون انقلها للناس وينبهرون فيها مثلي! بل اعتقد الحين نقلت لكم يمكن 10% من الاحساس الحقيقي للحظة ومثل هذه اللحظات عرفت ولقيت نفسي من خلالها وعرفت انا شنو ومن وشنو لازم اسعى له؟ هذه هي خطوة واحدة نحو الثريا اللي لازم اسعى لها نفس وصاني جدي وانا متجه للثريا

 

هذه بدايتي من الصفر من جديد نحو بناء الحلم الكبير